استؤنفت المفاوضات متقطعة بين لبنان وصندوق النقد الدولي ولم يخرج اللقاء السابع عشر الذي عقد امس الجمعة ما بين واشنطن وبيروت بالوسائل الالكترونية بنتائج كان ينتظرها الوفد اللبناني معتقدا انه قدم للصندوق انجازا متقدما بتعيين اعضاء مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان على انه من الوعود التي تعهد بها امام المجتمع الدولي قبل ان تبدأ المفاوضات مع صندوق النقد. فالخطوة كانت مطلبا دوليا منذ ان عقد مؤتمر “سيدر واحد” في نيسان 2018 وقبله إذا ما عاد البعض الى نتائج مؤتمرات باريس الثلاثة التي تحدثت عن فجوة كبيرة في الاقتصاد اللبناني مصدرها الفشل في معالجة أزمة الكهرباء كواحدة من اخطرها والتي زادت الدين العام بنسبة فاقت الـ 37 % حسب تحذيرات صندوق النقد الدولي في تقارير سابقة كما بالنسبة الى البنك الدولي.
كانت خطة الكهرباء واحدة من 17 مشروعا طرحها لبنان في الورقة التحضيرية لمؤتمر “سيدر واحد” وهي استنسخت عن اوراق اصلاحية سابقة وضعت منذ عقد ونصف من الزمن بعد ان تعثر تطبيق القانون الخاص بها الرقم 462 الصادر العام 2000 والذي تحدث عن تشكيل “الهيئة الناظمة” التي ستدير القطاع بشكل مستقل عن وزارة الوصاية وزارة الطاقة والمياه منذ ذلك التاريخ والتي لم تر النور.
من هذه المنطلقات بالذات سعى لبنان في لقاء الأمس ان يستثمر في القرار الجديد بتشكيل مجلس إدارة الكهرباء في مفاوضاته مع صندوق النقد الذي علق الاجتماعات المشتركة مع الجانب اللبناني منذ اسبوعين على خلفية فقدان المادة الصالحة للنقاش. فبعدما خصص الاجتماع الخامس عشر لقانون “الكابيتال كونترول” خصص السادس عشر لتحديد ارقام الخسائر في القطاع المصرفي، ولكن لبنان لم يقدم القانون المنتظر ولا توصل الى مرحلة توحيد ارقام الخسائر رغم التسريبات التي قالت ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف وافقا مؤخرا على التخلي عن ارقامهم المخفضة واعتمدا ارقام الحكومة اللبنانية في رواية مستقلة عن قبولها بارقام صندوق النقد من دون ان يكون هناك اي إشكال، فأرقام الحكومة والصندوق هما الأقرب الى بعضهما والموافقة على اي منهما توحد الارقام.
لكن الحقيقة التي كشفت عنها مصادر واسعة الإطلاع لـ “المركزية” تقول ان المصارف وحاكم البنك المركزي لم يوافقا بعد على أي إحصاء نهائي وجديد للخسائر خارج ما قالت به اوراقهما وما توصلت اليه “لجنة تقصي الحقائق” النيابية التي اقتربت منهما، وسط استمرار التجاذبات بين الحكومة ممثلة بوزارة المال من جهة ومجلس النواب والمصارف و”المركزي” من جهة أخرى. وان الحديث عن طلب رئيس الحكومة في آخر اجتماع مالي عقد بعد جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي في السرايا لم يفض الى اعلان صريح من الحاكم والجمعية بالاعتراف بهذا الإنجاز الحكومي الكبير .
وكما في بيانات حسابات الخسائر فقد جاء “انجاز” تعيين اعضاء مجلس الإدارة الذي حاولت الحكومة “تسويقه” بسرعة امام وفد الصندوق باهتا للغاية، اذ حمل وفده الى اجتماع امس ارقاما دقيقة عن الخسائر في القطاع والعجز في إدارته قبل تشكيل الهيئة الناظمة وتفنيدا للخطة الحكومية المتمثلة بالتعديلات التي وضعتها وزارة الطاقة على القانون 462 بما يؤدي الى إفراغه من مضمونه.
ونقل عن وفد الصندوق اكثر من سؤال تناول الخطة الموضوعة من اجل تعديل القانون بشكل دقيق للغاية وصولا الى مرحلة اعتقد فيها احد اعضاء الوفد انه لم تشكل اي هيئة ناظمة في العالم بهذه الطريقة وبهذه الصلاحيات الاستنسابية التي تجعلها هيئة تجمع بعض المستشارين لوزير الطاقة وتفتقد الى قدرتها على اتخاذ اي قرار في وقت يبدو فيه ان القطاع بحاجة الى هيئة تديره بكامل وجوهه وطاقته الى جانب مجلس إدارة لا يشكل فريقا من المستشارين الإضافيين الذين اضاعوا البوصلة اكثر من مرة منذ 20 عاما مرت على وضع القانون رغم وجود القطاع بيد واحدة وفريق واحد منذ تلك الفترة.
على هذه الأسس، تترقب الأوساط العليمة ألا يعود ملف الكهرباء الى طاولة المفاوضات مع الصندوق قريبا وهو امر يثير القلق بعدما جرى ضمه الى ملفي حسابات الخسائر “غير المنجزة” في القطاع المصرفي وقانون “الكابيتال كونترول” “المفقود”.
بالمختصر المفيد، تختم المصادر العليمة ، أن استئناف البحث مع وفد الصندوق في أي من هذه الملفات سيطول انتظار موعده، طالما ان لبنان لم ينجز اي منها. فالمفاوضات الجارية على “القطعة” ليست “أسلوبا ناجحا” على الإطلاق وتثير “السخرية” كما عبر احد أعضاء الوفد الدولي، وهو يهدد باحتمال ان تطول مواعيد إعطاء “الإذن المسبق” من الصندوق الذي ينتظره اكثر من طرف. فالى الدول والحكومات والمؤسسات المانحة يبدو ان “حاملي سندات اليوروبوندز” باتوا بانتظار هذا الإذن كـ “خطوة غامضة” لبدء المفاوضات مع وزارة المالية. وكل ذلك يجري قبل أن تتدفق المساعدات والقروض المنتظرة للبنان الى مرحلة يكون فيها البلد قد انهك في مقدراته الإقتصادية والإجتماعية والمالية على وقع مسلسل الأزمات الأخرى. وهي مرحلة تثير القلق من احتمال استحالة تنفيذ اي وعد بتحقيق اي انجاز آخر يتصل بالامساك بالحدود البرية والبحرية والجوية لوقف التهريب على اعتبار انه ما زال قرارا بعيد المنال. كما بالنسبة الى مكافحة الفساد ومعالجة ملف التهرب الضريبي والجمركي، فهي مجرد اوهام لم تعد تمر على اللبنانيين فكيف بالنسبة الى الصندوق الذي يعرف كل شاردة وواردة في الملفات اللبنانية المالية والإدارية بقدرة تفوق ما لدى المسؤولين اللبنانيين انفسهم؟