Site icon IMLebanon

صرخة الراعي تُدوّي خارج لبنان.. والفاتيكان على خط “تحييد الكيان”

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

دخلت السياسة اللبنانية مرحلة جديدة بعدما رسم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خطاً جديداً هدفه حماية الكيان وتحييده.

يُجمع أهل السياسة على أن ما قبل عظة الأحد للبطريرك الراعي ليس كما بعدها، فبطريرك الموارنة قاد حملة المواجهة الأساسية منذ أشهر في وجه من يحاول تغيير إنتماء البلد.

ليست المرة الأولى في الفترة الأخيرة التي يتدخّل فيها الراعي حاسماً ومصوّباً إتجاه البوصلة، فقبل عظة الأحد لعب البطريرك دوراً أساسياً في منع المحور الإيراني من وضع يده على حاكمية مصرف لبنان وتصدّى لحملة إزاحة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مفرملاً بذلك محاولة الإنقلاب التي كان يقودها الثنائي “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ”.

لكن عظة الأحد الماضي، والتي طالب فيها الراعي بالعمل على حياد لبنان ودعا رئيس الجمهورية ميشال عون إلى العمل لفك أسر الشرعية وتحريرها، وإصلاح علاقات لبنان بالعالم العربي والغربي، كانت لها تردّداتها الكبرى ووازنت بلحظتها التاريخية بيان المطارنة الموارنة العام 2000 والذي دعا إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان.

ومن النتائج الأولية لكلام الراعي، إعادة شدّ عصب القوى السيادية التي تؤمن بتحرير لبنان من الإحتلال الإيراني، وقد حصل تلاقٍ بين رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع والرئيس سعد الحريري ومعهما الحزب “التقدمي الإشتراكي” و”الكتائب اللبنانية” وبقية مكوّنات 14 آذار على دعم مطالب الراعي والعمل على تحقيقها من دون ان يتبلور إطار عمل مشترك بعد.

أما النقطة الثانية والأهم، فهي ملاقاة العائلة العربية والدولية لكلام الراعي، واعتبار المملكة العربية السعودية أنه صوّب البوصلة وأعاد لبنان إلى إطاره الطبيعي، ما قد يفتح ثغرة في جدار العلاقات المتأزمة مع الخليج، حيث أكد موقف البطريرك أنّ من يمثّل لبنان ليس “حزب الله” بل هناك صوت آخر صارخ يواجه كل هذا الجنون الذي يحصل.

وتلقّى الراعي سيلاً من الإتصالات الخارجية المؤيدة لمواقفه والداعمة لمطالبه وأبرزها تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، وتفاعلت هذه المواقف في عواصم القرار وعلى رأسها واشنطن وباريس، خصوصاً ان صوت بكركي مسموع فيهما، وعظته تزيد الإصرار الدولي على تحرير لبنان واستعادة سيادته وتخليصه من النفوذ الإيراني.

ومن جهة أخرى يعمل الفاتيكان على تأمين مظلّة حماية للبنان، إذ إن الكرسي الرسولي ينظر إلى بلدنا على أنه بلد الرسالة، ويجب الحفاظ عليه لأنه النموذج الأصلح لحوار الحضارات وللتعايش الإسلامي – المسيحي في العالم.

ومن هذا المنطلق، يستنفر الفاتيكان من أجل حماية هذا النموذج، وهو يدعم مطالب الشعب اللبناني الثائر ضد الظلم الإجتماعي والإقتصادي الذي يتعرّض له، وفي الوقت نفسه يقف سداً منيعاً في وجه محاولات تغيير هوية البلد وصورته، ومن ضمنها أخذه شرقاً.

لا شكّ أن الكرسي الرسولي يدعم مطالب الراعي وهو يطّلع على كل التفاصيل، والمرحلة الثانية من العمل ستتركز عبر دبلوماسية الفاتيكان حيث يتم تنسيق المواقف بين بكركي وروما من أجل العمل على مشروع دولي لتحييد لبنان وعزله عن صراعات المنطقة.

ومن المقرر أن يزور الراعي الفاتيكان للبحث في متطلبات الحياد وكيف يمكن العمل من اجل تحقيقه، خصوصاً أن الكرسي الرسولي يعتبر أن محاولة سلخ لبنان عن محيطه وعن مداه الحيوي لن تمرّ مرور الكرام، خصوصاً أن النهضة والإزدهار اللذين شهدهما البلد كانا بسبب علاقاته مع الفاتيكان والغرب، وتعليم الرهبان الموارنة ومن ثم إرسالهم إلى بلدهم لفتح مدارس، إضافةً إلى الدور الذي لعبته الإرساليات الأجنبية المسيحية في تطوير الشعب اللبناني ما جعله يتفوّق على محيطه.

وفي المحصلة، فإن عظة الراعي الأحد معطوفة على دعم الفاتيكان ستؤسس لمرحلة جديدة عنوانها التصدّي لمحاولة خطف الدولة والعمل على تحييد لبنان عن الصراعات.