كتب رضا صوايا في “الاخبار”:
يترحّم العرسان في لبنان على زمن كان على العريس فيه أن يثبت قوته للعروس وأهلها برفع جرن للكبّة يصل وزنه إلى 50 كيلوغراماً، في زمن بات فيه تأمين الكبّة أصعب من رفع الجرن! «همّ العرس» أصبح اليوم أكبر من قدرة معظم المقبلين على الزواج، وموسم الأعراس الذي كان يساهم بنحو مليار دولار في الاقتصاد اللبناني أصبح في خبر كان.
على مدى سنوات طويلة، تحوّلت حفلات الأعراس في لبنان إلى أشبه بمهرجانات لإبهار المدعوين، حتى ولو كبّدت «النعم الأبدية» العريسين مبالغ طائلة وحمّلتهما قروضاً يحتاجان إلى سنوات لسدادها.
«فرحة» العرسان لطالما شاركتهم فيها مئات الشركات وآلاف العاملين في مجال حفلات الزفاف وكل ما يتعلق بهذا «القطاع» الذي قُدّرت مساهمته في الاقتصاد اللبناني بنحو مليار دولار سنوياً، وتعمل فيه نحو 600 شركة متخصصة وحوالى 40 ألف عامل بين ثابت وموسمي. ووفق دراسة أعدها Chateau Rweiss، أحد أعرق مراكز الأعراس في لبنان، بالتعاون مع عدد من منظمي حفلات الزفاف وبإشراف وزارة السياحة، وغطّت الفترة بين 2009 و2019، كان يقام في لبنان سنوياً نحو 40 ألف حفلة زفاف، متوسط كلفة الواحدة منها 25 ألف دولار.
الدراسة تطرقت إلى جنسيات العرسان الأجانب أو بلدان الاغتراب التي جاؤوا منها في حال كانوا لبنانيين وتأثير الأحداث السياسية والأمنية في لبنان والجوار على هذا القطاع. ولفتت الى أن 50% من العرسان إما لا يعيشون في لبنان، أو أن أحدهما لا يقيم فيه، أو أن أحدهما مغترب أو من جنسية غير لبنانية، أو أن كلا العروسين أجنبيان. وأشارت الى أنه خلال عام 2010، عقد كثير من السعوديين والسوريين والمغتربين اللبنانيين في أفريقيا حفلات زفافهم في لبنان. وفي عام 2012 خسر لبنان العرسان السوريين ليستقطب بدلاً منهم، إضافة إلى السعوديين، العراقيين والكويتيين والقطريين. وبين عامي 2017 و2018 خسر لبنان كل حفلات الزفاف التي كان يقيمها العرب فيه، فيما عاود السعوديون والأردنيون القدوم عام 2019، مع تراجع حفلات زفاف المغتربين في أفريقيا مقابل ارتفاع عدد الحفلات التي نظّمها مغتربون في أوستراليا.
الأزمة الاقتصادية القاسية والتراجع الحادّ المتوقع في أعداد الوافدين من الخارج، مغتربين وأجانب، بسبب فيروس «كورونا» يتوقع أن ينعكس خسائر فادحة على العاملين في هذا القطاع الذين يعتاش قسم كبير منهم من هذا الموسم. ومن أبرز المتضررين، إضافة إلى الفنادق والمطاعم والمجمّعات التي تقام فيها الحفلات، مزيّنو الشعر النسائي والعاملون في مجال الـ makeup، وشركات الزفة، وشركات تقديم الطعام catering، ومتاجر بيع الورود، والمطابع (وصلت كلفة بطاقة الدعوة الواحدة إلى 20 ألف ليرة)، ومتاجر الألبسة….
مها عطية، مديرة المبيعات والحفلات في فندق «فينيسيا»، أشارت الى أن «الأزمة الاقتصادية وفيروس كورونا وما رافقه من إغلاق للمطارات حول العالم تسبّبا في إلغاء كثير من حفلات الزفاف التي كان يفترض أن تنظّم في الفندق هذا الصيف». إذ يُقام في «فينيسيا»، عادة، نحو 100 عرس بين أول حزيران وأواخر أيلول من كل عام، «أما هذا الموسم، فلا يتخطى عدد الحجوزات حتى الآن الـ 30، أضف إلى ذلك أن تراجع عدد المدعوين من أكثر من 300 شخص في الحفلة إلى 100 شخص حداً أقصى، رغم أننا كفندق لا نزال نسعّر الدولار على أساس 1500 ليرة». عطية لفتت أيضاً إلى أن العرسان «باتوا يميلون إلى خفض التكاليف قدر الإمكان، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال اكتفاء كثيرين بما نقدّمه كفندق وتخلّيهم عن التعاقد مع منظّمي أعراس كما كان يحدث في معظم الحفلات التي استضفناها سابقاً».
عدد حفلات الزفاف خلال موسم الصيف في فندق «لو رويال» يراوح، في العادة، «بين 80 و100 حفلة. لكننا لا نتوقّع أن يصل العدد هذا الموسم إلى أكثر من 30 حفلة» بحسب مدير الفندق سيريل معوض، مؤكداً «أننا نعمل كل يوم بيومه، ولا نعرف فعلياً عدد الحفلات التي قد تقام الشهر المقبل. فالجميع ينتظرون التطورات في ما يتعلق بكورونا، وكثير من العرسان باتوا يفضلون الانتظار الى قبل موعد الزفاف بفترة وجيزة ليقرروا إقامة الحفلة من عدمها». كذلك تراجعت أعداد «المعازيم» الى النصف، فـ«العرس الذي كان يُدعى إليه 200 شخص لم يعد يضم أكثر من 100 بسبب التباعد الاجتماعي والظروف الاقتصادية، فيما ينحو معظم العرسان نحو تنظيم حفلات عادية خالية من أي بذخ».
«25% فقط من الحفلات التي كانت تنظّم خلال الموسم في Chateau Rweiss لا تزال قائمة، فيما 50% من الحجوزات أُرجئت، و25% ألغيت بشكل كامل» بحسب مسؤولة العلاقات العامة ماريا بستاني. كما أن «معدل المعازيم في الحفلة تراجع من نحو 300 شخص إلى حوالى 50 فقط. أما الحفلات فأغلبها يخلو من أي مظاهر تبذير. وعلى سبيل المثال، زاد الطلب على الأجبان واللحوم المحليّة بعدما كان يتركّز سابقاً على المستورد منها». الأمر نفسه ينطبق على منتجع Byblos Sur Mer الذي تراجع عدد حفلات الزفاف التي كان ينظّمها من 15 في الموسم إلى 5 فقط هذا الموسم، وكذلك أعداد الحضور من حوالى 300 شخص إلى 80.
في مطعم قصر الرومية في القليعات، ألغيت كل حجوزات الأعراس لهذا الموسم، بعدما كان المطعم ينظّم حوالى 30 حفلة خلال فصل الصيف. أحد مسؤولي المطعم عزا الأمر أساساً الى الضائقة الاقتصادية، مشيراً إلى أن أحد العرسان «طلب منّا بعدما ألغى زفافه أن يأكل في المطعم بقيمة الرعبون الذي دفعه»!
ميزانية «المعازيم»!
بات كثير من العرسان يفضّلون تقليل عدد المدعوّين تجنّباً لإرهاقهم بتكاليف مرهقة. إذ إن حضور الحفل، كمدعوّ أيضاً، يتطلّب ميزانية خاصة، كانت تتضمّن (قبل تراجع سعر الليرة) 100 دولار مساهمة في الـ«ليست دو مارياج»، ونحو 200 دولار كلفة تصفيف الشعر والماكياج، وبين 200 و300 دولار ثمن الفستان والحذاء (للمدعوات)، فيما تبلغ كلفة ما كان ينفقه المدعوون الرجال بين 200 و 300 دولار ثمناً لبدلة وحذاء وكلفة تصفيف الشعر.