بندر الدوشي – “العربية”:
اعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير نشرته مؤخراً أن “لبنان يصارع الفقر والفساد وحكومة حزب الله”، مضيفةً أنه و”بعد سنوات من الصراع السياسي وهيمنة حزب الله والفساد، انهار البلد أخيراً وهو في حالة سقوط حر وبدون قاع، وقد وصل الحال إلى أن يقايض السكان ملابس أطفالهم من أجل الأكل”.
وأرجعت الصحيفة أزمة لبنان إلى “سنوات من الفساد الحكومي وسوء الإدارة المالية”، ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى مستويات عالية، وسط إغلاق الشركات وفقدان الرواتب لقيمتها مع ارتفاع التضخم. وذكّرت الصحيفة باندلاع احتجاجات حاشدة ضد النخبة السياسية في جميع أنحاء البلاد في الخريف الماضي، تحولت في بعض الأحيان إلى أعمال عنف. وقد انحسرت المظاهرات عندما أغلقت البلاد بسبب فيروس كورونا، لكن الاحتجاجات عادت مؤخراً مرة أخرى، حيث إن الإغلاق الاحترازي زاد من الضائقة الاقتصادية.
وأضاف التقرير أن آثار الانهيار الاقتصادي تتسلل بشكل متزايد إلى الحياة اليومية للعديد من اللبنانيين، وتتسبب في انهيار قطاع الكهرباء، بينما ترفض البنوك تسليم أموال المودعين، وتكافح الأسر لشراء الضروريات المستوردة مثل الحفاضات والمنظفات.
أزمة الكهرباء
وذكرت “نيويورك تايمز” أن الحكومة فشلت منذ فترة طويلة في توفير ما يكفي من الكهرباء للبنانيين. وأضافت: “ازداد انقطاع التيار الكهربائي مؤخراً لدرجة أن صوت السيارات في بيروت قد حل محله هدير المولدات الكهربائية المجهدة في العاصمة، حيث يعيش حوالي ثلث سكان لبنان البالغ عددهم 5.4 مليون نسمة”.
وتابعت: “انتقل فجأةً مستشفى رفيق الحريري الجامعي، وهو المرفق الرئيسي الذي يعالج فيه حالات كورونا في بيروت، من ساعة واحدة من التقنين (بدون كهرباء) في اليوم إلى 20 ساعة بدون كهرباء. وبالتالي، أغلق المستشفى بعض غرف العمليات، وتم تأجيل العمليات الجراحية. ويفتقر المستفشى الآن إلى الكهرباء ست ساعات في اليوم”.
وأضاف التقرير: “وبعد حلول الظلام، تتراجع الحياة الليلية الصاخبة.. وتصبح الشوارع الرئيسية مظلمة وإشارات المرور في التقاطعات الرئيسية خارج الخدمة”.
واعتبرت الصحيفة أن الانهيار السريع “وجّه ضربة لفخر العديد من اللبنانيين، الذين أكدوا مراراً أن لديهم أفضل مأكولات في الشرق الأوسط واعتبروا أنفسهم أكثر تطوراً من غيرهم في المنطقة. الآن، يتساءل الكثيرون إلى أي مدى سينخفض مستوى معيشتهم”.
ونقلت الصحيفة عن أستاذة مساعدة في الجامعة الأميركية في بيروت تدعى كارمن قولها: “بيروت هي مدينة البقاء على قيد الحياة حيث يجد الناس دائماً طرقا لتناول الطعام والشراب ولسماع الموسيقى والقيام بالنشاطات المختلفة. لكن الآن، حتى الطبقة المتوسطة العليا لا تستطيع تحمل تكاليف تناول الطعام خارج المنزل”. وذكّرت الصحيفة أن الليرة اللبنانية فقدت حوالي 85% من قيمتها في السوق السوداء منذ الخريف الماضي.
فوضى النظام المصرفي
وشرحت الصحيفة أن “جزءا كبيرا من الضائقة المالية يأتي من الفوضى في النظام المصرفي، حيث أدار البنك المركزي ما أطلق عليه النقاد اسم “مخطط بونزي”، مما دفع البنوك التجارية إلى اجتذاب ودائع كبيرة بالدولار الأميركي بأسعار فائدة مرتفعة لا يمكن تغطيتها إلا بجلب المزيد من كبار المودعين الذين لديهم أسعار فائدة أعلى. ولكن هذا النظام توقف، ففي العام الماضي عندما توقف المستثمرون الجدد عن القدوم، ضعفت موجودات بنوك البلاد وباتت أقل بكثير من المبالغ المستحقة لمودعيهم”.
وتابعت: “وردت المصارف على هذا الأمر برفضها في الغالب صرف الدولارات التي طالما استخدمها اللبنانيون بالتوازي مع العملة المحلية في الحياة اليومية. وسعت الحكومة للسيطرة على بورصة السوق السوداء” التي يسيطر عليها بعض الصيارفة الذين يستخدمون أسماء مزيفة ويخشون الاعتقال.
وأضاف التقرير أن “آثار الأزمة على فقراء البلد كانت حادة”، مشيراً إلى 4 حالات انتحار وقعت مؤخراً في فترة يومين، كلها مرتبطة بالأزمة الاقتصادية. وذكّرت بأن رجلا أطلق النار على نفسه في أحد أشهر شوارع بيروت تاركاً وراءه لافتة كتب عليها بخط اليد “أنا لست كافراً، لكن الجوع كافر”.
كما أشارت الصحيفة لتضخم أعداد المنتسبين إلى مجموعة في “فيسبوك” تدعى “بارترز لبنان”، يقايض أعضاؤها كل شيء من الشيشة إلى الطعام. ووصفت المنشورات على هذه المجموعة بـ”المأساوية”، مشيرةً إلى نشر سيدة صورة فستان أخضر لمقايضته بالسكر والحليب والمنظفات للأطفال.
وقابلت الصحيفة هاتفياً بائعة الفستان، فاطمة الحسين، والتي شرحت أن زوجها يجني 200 ألف ليرة لبنانية في الأسبوع كعامل، وهو مبلغ كان يساوي 130 دولاراً قبل الأزمة، أما الآن فبات يساوي أقل من 30 دولاراً. وباتت عائلتها تكافح من أجل شراء الضروريات، لذا قررت بيع الفستان بعد أن اضطرت إلى البدء في إطعام أطفالها خبزاً مغمساً في الماء. وحتى الآن، لم تجد فاطمة من يشتري الفستان. وذكرت فاطمة أنه، وعندما يطبخ جيرانها، تغلق أبوابها ونوافذها، مضيفةً: “لا أريد لأطفالي أن يشموا رائحة الطعام”.