Site icon IMLebanon

ثُلاثيّ فرنسي “يُنقذ” المدارس الفرنكوفونية اللبنانية

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

يترقّب لبنان زيارة وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان إلى بيروت، لمعرفة مدى تأثيرها على الواقعين الإقتصادي والسياسي المأزوم، وما إذا كان هناك من مبادرة جديّة للإنقاذ.

وبعيداً من الهموم السياسية والإقتصادية التي لا يوجد أفق لحلها حالياً، يبقى الأمر الملموس، والذي دخل الفرنسيون على خط حلّه مباشرة، هو إنقاذ المدارس الخاصة الفرنكوفونية بعد أن هدّدها الإقفال بسبب الأزمة العاصفة بلبنان.

وتأتي هذه الخطوة الفرنسيّة بعد الصرخات المتتالية التي أطلقها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، محذّراً من إقفال المدارس الخاصة التي أسست لنهضة لبنان الحضارية والتعليمية، والتي ساهمت في تطوير البلاد والمنطقة العربية، كما تأتي هذه الخطوة الفرنسية بعد صرخات الإستغاثة التي أطلقها القيمون على القطاع التربوي الخاص، وعلى رأسهم الأساتذة الذين يقبضون نصف راتب أو أدنى، وكذلك بعد أن علت صرخات الأهالي الذين يتخوّفون على مستقبل أولادهم التربوي، في حين أنه يوجد قسم كبير منهم غير قادر على تسديد الأقساط.

وفي السياق، فإن الدعم الفرنسي سيشمل 7 مدارس مرتبطة بفرنسا مباشرة، و46 مدرسة فرنكوفونية خاصة تتماهى مع تلك المدارس وتدرّس الفرنسيّة، ولم يأتِ الدعم الفرنسي على أساس ديني أو طائفي أو مناطقي، بل من ضمن خطة كاملة متكاملة وذلك من أجل الإنقاذ التربوي للمدارس الفرنكوفونية، فعلى سبيل المثال فإن مدرسة الليسيه في حبوش النبطية سيشملها الدعم مثل الليسيه في بيروت وجبل لبنان.

وفي وقت يتمّ الحديث عن أن الدعم سيشمل المدارس الكاثوليكية، فإن الحقيقة أن المدارس الفرنكوفونية الكبرى والتي تعتمد الفرنسية كلغة ثانية هي في أغلبها كاثوليكية وتتماهى مع المناهج الفرنسية، وهذا لا يعني أن الدعم قد لا يشمل مدارس خاصة فرنكوفونية غير كاثوليكية إذا كانت المواصفات المطلوبة تنطبق عليها.

وفي المعلومات فإن الأساس لما حصل من دعم فرنسي يعود إلى جهود ثلاثة مسؤولين فرنسيين بارزين، وهم أولاً السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه الذي عايش كل مراحل التأزم الحاصل في كل القطاعات وعلى رأسها القطاع التربوي الخاص، وشعر أن هناك شيئاً ما يتغيّر في لبنان وأن المدارس الخاصة التي تُعلّم الفرنسية ستُغلق قريباً، ما يعني أن الثقافة الفرنسية قد تضرب في لبنان، فسارع إلى التحرّك للإنقاذ وأعلمَ وزارة الخارجية بخطورة هذا الوضع، خصوصاً أنه يترافق مع خوف كبير من هجرة المسيحيين وإقفال مدارسهم التي شكّلت علامة تفوّقهم في لبنان والمنطقة.

وراسل فوشيه مرات عدّة وزير الخارجية لودريان الذي شكّل الرجل الثاني في حلقة الإنقاذ، وقدّر خطورة الموضوع، ودعا إلى التحرّك الفرنسي السريع من أجل فعل شيء ما، خصوصاً أن لبنان هو بلد حليف لباريس ولا يمكن لبلاده أن تفقده.

ولم ينتهِ الموضوع عند هذا الحدّ فقد أعلم لودريان الإليزيه والرئيس إيمانويل ماكرون بخطورة الوضع، وفي الإليزيه يوجد مستشار لماكرون كان سفيراً لبلاده في لبنان هو إيمانويل بون، وقد لعب بون دوراً كبيراً في حثّ الإليزيه على التحرّك لأنه يعرف أهمية المدارس الفرنكوفونية في لبنان، ومطّلع على مشاكلها ويعلم أن إقفالها سينعكس مزيداً من الخسائر على المسيحيين وكذلك على فرنسا.

وبعدما لعب الثلاثي فوشيه – لودريان – بون دوراً بارزاً في هذا الإطار، تحرّكت باريس فوراً وقرّرت مساعدة المدارس الخاصة الموضوعة على اللائحة، حيث يجتمع فوشيه بشكل متواصل مع مدراء المدارس من أجل وضع آلية الدعم، لأن باريس تريد أن يكون دعماً ناجحاً وشفافاً ويصل إلى المدرسة والمعلمين والتلاميذ، لا أن يشمل فئة واحدة أو ينخره عامل الفساد المستشري في لبنان.

وبما أن الدعم سيشمل 53 مدرسة، فإن المدارس الكاثوليكية الأخرى وحتى لو لم يشملها الدعم ستستفيد من الوضع القائم بطريقة غير مباشرة، لأن بكركي والرهبانيات والأشخاص الخيّرين سيعملون لدعمها وسيخفّ الضغط على الإكليروس، وسيترافق هذا الأمر مع خطوة إيجابية قامت بها الدولة، وهي إقرار مبلغ 500 مليار ليرة لدعم المدارس الخاصة ينتظر أن يوافق عليه مجلس النواب. ووسط معارضة البعض للخطوة الفرنسية ومناداته أن يشمل المدارس الرسمية، فإن الحقيقة تظهر أن المدرسة الرسمية تتلقى دعماً من فرنسا وجهات مانحة كثيرة ومن المنظمات التي تعنى بالنازحين، كما أن الدولة ترعى تلك المدارس وتدفع للأساتذة ولا يوجد أي تأخير في دفع الرواتب، بينما لا يوجد احد يساند المدارس الخاصة التي يحجم قسم كبير من الأهالي عن دفع الأقساط بسبب الأوضاع الإقتصادية، مع العلم أن نسبة التلامذة المسلمين في المدارس الكاثوليكية يصل إلى 30 في المئة، ولا يقتصر الأمر على التلامذة المسيحيين فقط.

وهناك حقيقة مرّة وهي أن التلميذ في المدرسة الرسمية يُكلّف الدولة أكثر بكثير من تكلفته في مدرسة خاصة، كما أن إقفال المدارس الخاصة سيزيد الضغط على الرسمية غير القادرة على إستيعاب أعداد التلامذة، في حين أن أقساط المدرسة الرسمية مجانية ما يعني أن تكبير قطاع التعليم الرسمي سيزيد من خسائر الدولة وسيتكرر سيناريو خسائر الكهرباء التي تكلف الخزينة سنوياً نحو 2.5 مليار دولار سنوياً.

فوشيه

وكان فوشيه أعلن منذ أيام أن الدعم الفرنسي للمدارس عبارة عن قروض من دون فائدة وصندوق مساعدات طارئة للعائلات غير الفرنسية من 46 مؤسسة غير متعاقدة (non conventionnées)، ووضع الخبرات الفرنسية بتصرّف المدارس، إضافة إلى تدابير للمؤسسات التربوية السبع في البلاد (conventionnées) المتعاقدة مع البعثة العلمانية الفرنسية (Mission Laique Française) لمواجهة الازمة التي تضرب لبنان.