كتبت مريم سيف الدين في “نداء الوطن”:
لأن النظام وكل ما اشتدت أزمته يتهرب من مواجهة الحقيقة بمحاولة قمع كاشفيها، ولأن حرية التعبير في لبنان تشهد تضييقاً اشتدّ بعد انتفاضة “17 تشرين”، أطلقت 14 منظمة لبنانية ودولية “تحالف الدفاع عن حرية التعبير في لبنان”، صباح أمس، من مبنى أنتوورك في بيروت.
ويهدف التحالف الى التصدّي لمحاولات القمع والتضييق على الحريات، وتشكيل شبكة تحاول حماية من يعبّر عن رأيه من القمع والإعتقال. وأمام المبنى حيث عقد المؤتمر الذي تحدّث عن ممارسات الأجهزة الأمنية، وقفت أربع آليات للجيش اللبناني تنتظر إنتهاء الحدث، في حين تولى أمنيون مراقبة المؤتمر والتحقيق في غاياته، في خطوة تؤكد أهمية تشكيل جبهة للتصدي لسياسات القمع التي تنتهجها السلطة. فالدفاع عن حرية التعبير واجب باعتبارها خط الدفاع الأخير عن كل الحقوق، وفق ما جاء في المؤتمر.
بدايةً، عرضت الصحافية دجى داوود، من تجمّع نقابة الصحافة البديلة، ما يتعرض له الصحافيون والناشطون من حملات ترهيب تهدف لإسكاتهم، إذ “لم يعد مُرحّباً بالحقيقة في لبنان”. ورأت الصحافية أن حرية الصحافة في لبنان تحتضر، استناداً الى تكرار حوادث الاعتداء على الصحافيين والمصورين وتهديدهم، ومنعهم من القيام بعملهم الصحافي، من قبل جهات عدة من بينها أجهزة أمنية، ويقوم عناصرها باستجواب المراسلين على الأرض. وليس مستغرباً، في زمن وزير الداخلية الذي رئِس فرع الأمن العسكري في مديرية المخابرات أيام الهيمنة السورية على لبنان، أن يتم التلويح بقوانين وقرارات وإجراءات قمعيّة تضيّق على العمل الصحافي، بعضها قديم ولم يُعمل به قبل اليوم. ووفق داوود، تشي الإجراءات غير المعلنة والمُكتشفة بالصدفة من قبل الصحافيين، بأنّ الرأي الآخر بات ممنوعاً، وبأنّ هناك محاولاتٍ لمنع التعبير عنه، في الشارع والفضاءات العامة، كما في الإعلام والمنصّات الخاصة، بالعسكرة لا بالقانون. وهو ما يبدو واضحاً من خطابات بعض الزعماء ورئيس الحكومة حسان دياب ووزرائه الذين يحمّلون من يعارضهم مسؤولية نتائج فشلهم.
هذا الواقع، دفع بالمنظمات الـ14، من بينها “هيومن رايتس واتش” و”منظمة العفو الدولية” و”المفكرة القانونية” و”مهارات” و”سمكس” و”مؤسسة سمير قصير” وغيرها، لتشكيل التحالف بهدف تأمين الحماية الممكنة للصحافيين ولمن يتعرّضون للقمع بسبب آرائهم وما يكشفونه من حقائق. وفي حين اتّضحت اهداف التحالف وأسباب إعلانه، فإنّ آلية عمله لم تتضح بعد. ويشير المدير التنفيذي لمنظمة “سمكس” محمد نجم، لـ”نداء الوطن” الى أن التحالف يعمل اليوم على وضع آليات للعمل والضغط لمنع هذه الممارسات.
بدورها أشارت ممثلة “هيومن رايتس واتش”، آية مجذوب، إلى تسلّح المسؤولين بقوانين القدح والذم لتخويف وإسكات المنتقدين. وكشفت مجذوب عن تسجيل 4000 تحقيق بهذه التهم منذ العام 2015، الذي جرت فيه احتجاجات إثر ازمة النفايات، حتى اليوم. وترى المنظمة أن قوانين القدح والذم اللبنانية لا تتوافق مع المعايير والقوانين الدولية. كما لفتت مجذوب إلى إنحياز أجهزة الدولة والقضاء للجهات السياسية والدينية التي تستخدم هذه القوانين، مشيرة إلى أن التشهير في لبنان يسجل كجرم. أي أن من يحكم عليه بالتشهير يعتبر من أصحاب السوابق مثل السارق والقاتل.
من جهتها ذكّرت ليال بهنام من “مهارات” بالتوصيات التي لطالما ذكّرت بها المنظمة النواب الذين كانوا يناقشون “قانون الإعلام الجديد” الذي لم يقر بعد سنوات من درسه. وعلى الرغم من مشاركتها في دراسة القانون سابقاً لم تتمكن “مهارات” من الحصول على النسخة الأخيرة منه، إذ ترفض لجنة الإدارة والعدل إطلاعهم عليها. لكن واستناداً إلى نسخة مسرّبة، اعتبرت بهنام أن إقرار القانون بنسخته الحالية سيؤدي إلى تراجع في الحريات. ومن الملاحظات على النسخة المسربة أنها لا تلغي عقوبة السجن وإنما تزيد المدة في بعض الحالات. ومن بين التوصيات طلب الكف عن محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية، وأن يقر البرلمان اللبناني قانون إعلام يتوافق مع القانون الدولي.
واختتم المؤتمر بشهادتين أدلى بهما الزميلان آدم شمس الدين وبشير أبو زيد اللذان تعرّضا للقمع بسبب آرائهما. ورأى أبو زيد أهمية إطلاق التحالف وتشكيل لجان بديلة هو لخلق مساحة آمنة للناس الذين يخافون من الكلام كي يجرؤوا على الكلام، “لأن مؤسسات الدولة لا تشكّل لجوءاً آمناً، ولدى لجوئنا للقضاء يتلكأ فيشعر الفرد بعجزه عن حماية نفسه”، يقول الزميل الذي تعرض لمحاولة خطف واعتداء بالضرب في كفررمان من قبل مناصرين لـ”حركة أمل”، لم يلق القبض عليهم بعد حوالى شهرين من الاعتداء.
وتحدث شمس الدين عن حكم المحكمة العسكرية عليه سابقاً بالسجن مدة ثلاثة أشهر بسبب انتقاده أداء جهاز أمن الدولة، قبل ان تتراجع عن خطئها. وانتقد شمس الدين سرعة القضاء بالتحرك بطلب من مسؤولين في قضايا قدح وذم، في حين يماطل في القضايا المتعلقة بالفساد.