كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
بينما كان اللبنانيون ينتظرون ان يطل عليهم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بمبادرة سياسية، تكسُر حلقة الجمود السائدة في الوضع السياسي المتآكل وتفتح ثغرة في جدار الأزمة الضاغطة التي يواجهها لبنان حالياً، وترتكز على تشكيل حكومة جديدة برئاسة شخصية موثوقة ومؤهلة لتولي مهمة إنقاذ لبنان من مأزقه وقادرة على وضع الحلول المطلوبة للمشاكل المالية والاقتصادية والمعيشية، وتعمل على الالتزام بسياسة تحييد لبنان عن أزمات وحرائق المنطقة وإعادة حرارة العلاقات اللبنانية مع الدول العربية الشقيقة والصديقة في انحاء العالم، وبدلاً من ذلك، فإذا به يفاجئ المواطنين بالدعوة إلى ما أطلق عليه شعار «الجهاد الزراعي والصناعي» مناشداً الجميع المباشرة بتنفيذه من خلال العمل على زراعة الأراضي المهملة وتعميم زراعة اسطح المباني وشرفات المنازل لمواجهة ما اسماه محاولات تجويع ومحاصرة لبنان من قبل دول الغرب عموماً وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية بعد تعثر كل محاولات الحكومة اللبنانية للاستحصال على مساعدات مالية منها بسبب عدم قيامها بالاصلاحات المطلوبة في المؤسسات والإدارات العامة، كالكهرباء والتهرب الجمركي والضريبي وغيرها. ماذا تعني دعوة نصر الله إلى «الجهاد الزراعي والصناعي» في هذا الظرف بالذات؟
أوّل ما تعنيه هذه الدعوة هي استمرار «حزب الله» بإغلاق أبواب الحلول السياسية للأزمة القائمة وامعانه في التشبث بالتركيبة السلطوية التي تدير البلد تحت سلطته وهيمنة سلاحه غير الشرعي وإصراره على قطع الطريق على أي محاولة أو جهد لانتهاء حالة الاهتراء السياسي التي تلف لبنان وتفتك فيه بالصميم ويمنع كل مساعي التبديل الحكومي وإنهاء مهمة حكومة حسان دياب المحسوبة عليه قلباً وقالباً والعاجزة عن التحرّك بفاعلية لإخراج لبنان من عزلته العربية والدولية وازمته المتعددة الأوجه، حتى لو كلف ذلك مزيداً من الانهيارات في الوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي الذي يزيد من معاناة وعذابات اللبنانيين في عيشهم اليومي.
ثانياً: إصرار «حزب الله» على إبقاء لبنان أسيراً في دائرة الصراع الأميركي – الإيراني بالمنطقة وعدم استعداده لإخراجه من هذه الدائرة ضمن سياسة «النأي بالنفس» أو «تحييد لبنان» عن الصراعات والحرائق التي شارك ويشارك فيها الحزب تحت شعارات مذهبية حيناً ومحاربة الإرهاب والدفاع عن الأنظمة الاستبدادية المنضوية في التحالف مع النظام الإيراني تارة أخرى، بالرغم من رفض معظم اللبنانيين لهذا الخيار التدميري للحزب الذي يسعى لتوظيفه في إطار الصفقات أو التسويات التي يعمل النظام الإيراني على التمهيد لها خفية وبعيداً من الأنظار لتحقيق مصالحه العليا على حساب المصلحة اللبنانية العامة.
ثالثاً: إطالة أمد الأزمة القائمة وربطها بمسار «الكباش» الأميركي – الإيراني ونتائجه، إن كان بنتائج المفاوضات السرية الجارية، أو بالرهان على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي يأمل من خلالها النظام الإيراني بفشل الرئيس دونالد ترامب في الفوز بولاية ثانية على ان يخلفه الديمقراطي جو بايدن، باعتبار ان الإدارة الديمقراطية قد تكون أكثر تساهلاً في التعاطي مع النظام الإيراني كما كان الحال مع الرئيس السابق باراك أوباما، وهذا يعني تعليق حل الأزمة اللبنانية بانتظار مصير هذين الحدثين أو أحدهما على الأقل كما يظهر من فحوى المواقف الإيرانية بهذا الخصوص.
لذلك، حاول نصر الله توظيف دعوة «الجهادية الزراعية» هذه المرة بقالب سياسي مؤاتٍ لرمي مسؤولية تفريج الوضع السياسي وحلحلة الأزمة على اكتاف الحزب من جهة، ولإلهاء الرأي العام وجمهوره تحديداً بهذه المشهدية الظرفية، ولتحويل الأنظار عن دور الحزب في تعطيل كل محاولات حلحلة الأزمة وتسببه في الانهيار الدراماتيكي للأوضاع المالية والاقتصادية جرّاء ممارساته وسياساته الترهيبية وهيمنته على الواقع السياسي بقوة السلاح غير الشرعي من جهة ثانية.
قد تبدو الدعوة إلى تعميم وتنشيط الزراعة في لبنان خطوة مهمة ومتقدمة للاستفادة من الأراضي غير المزروعة في الأوقات العادية لزيادة المنتجات الزراعية وتقوية الاقتصاد الوطني، إذا اقترنت بالعوامل الملائمة لذلك، ولكن عندما تستغل لتوظف في خدمة مصالح الحزب وارتباطاته الإقليمية على حساب مصلحة لبنان عموماً، عندها تتحوّل إلى تمثيلية ممجوجة، لا سيما عندما تظهر بوضوح مشهدية تصنّع السياسيين الموالين للحزب الانكباب على ممارسة الزراعة مرغمين وليس عن رغبة وقناعة، ما يدل على انقطاعهم عن التواصل مع الزراعة والمزارعين منذ زمن بعيد. والاهم من كل ذلك في خلاصة الدعوة إلى «الجهاد الزراعي والصناعي» في حسابات الأمين العام لحزب الله، توظيف هذه الدعوة بزراعة «الاوهام» التي تُبقي لبنان أسير المخططات والمصالح والنفوذ الإيراني، بدلاً من زرع حقيقي لبوادر الأمل بحلول جدّية مرتقبة تخرج لبنان من مأزقه وتساهم في بلورة حلول مطلوبة وسريعة لمشاكله التي تتراكم يوماً بعد يوم.