كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
لا شيء يدعو للتفاؤل. المشهد الداخلي يزداد سوداوية رغم الإشارات المتقطعة التي تأتي من الخارج. لكنها لم تجد حتى الآن أي ترجمة فعلية قد تحوّلها الى اجراءات ملموسة. حتى نأي السفيرة الأميركية دوروثي شيا عن اللجهة التصعيدية والمفردات التهويلية، وتأكيدها أمام من تلتقيهم من مسؤولين لبنانيين أنّ بلادها ليست في وراد محاصرة لبنان، لا يعني أبداً وفق المطلعين أنّ واشنطن أخرجت لبنان من “محور الشرّ” وقرّرت إبعاده ولو موقتاً عن خطّ المواجهة.
كل ما في الأمر، هو مجرد “تعليق” للتصعيد الأميركي ضدّ لبنان، للتركيز على بقية ملفات المنطقة، ولكن من دون مدّ لبنان بجرعة اوكسجين صار بأمس الحاجة اليها ليصمد أسابيع أو أشهراً في أحسن الأحوال.
كثيرة هي الأدلة التي تثبت أنّ الوعود التي تغدق على لبنان في هذه الأيام، لن تجد طريقها الى التنفيذ. ولعل آخرها، سيناريو الدعم من جانب الكويت والذي كانت تعوّل عليه الحكومة لتأخذ نفساً يمنع عنها الغرق الحتمي. وإذ بالزيارة التي قام بها مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم تنتهي كما بدأت، من دون أي نتيجة تذكر. وحده العقد الموقع مع “كويت بتروليوم” والذي ينتهي آخر هذا العام، قد يعاد تفعيله من خلال زيادة الكميات المستوردة. أما غير ذلك، فلا شيء يذكر.
في هذه الأثناء، يشهد المقرّ الصيفي للبطريرك الماروني في الديمان عجقة زوار، ربطاً بسلسلة المواقف التي أطلقها البطريرك الماروني بشارة الراعي والتي تمحورت بشكل أساسي حول النداء الذي وجهه تحت عنوان الدعوة إلى حياد لبنان الإيجابي. سريعاً حطّ رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري في المقرّ البطريركي، ولاقاه رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي غرّد قائلاً: “نعم يحق للبطريرك الراعي أن يطالب بالحياد الإيجابي على الأقل”، فيما أوفد رئيس حزب “القوات” سمير جعجع أكثر من وفد دعماً لمواقف الراعي، وها هو رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية يجالس البطريرك على الشرفة المطلة على وادي قنوبين.
في السياسة، لا يمكن فصل النداء الموجه من جانب البطريرك الماروني عن الحراك الذي تقوده الفاتيكان خشية انزلاق الوضع اللبناني الى مزيد من الخراب، ولو أنّ الكنيسة الأم تتمنى على الكنيسة المارونية أن ترفع من منسوب تدخلها على المستوى الاجتماعي- المعيشي لتقديم يد المساعدة، والحدّ من الأضرار التي تصيب الطبقتين المتوسطة والفقيرة. وهذا ما تسعى للقيام به الرهبانيات ولو أنه لا يزال خارج الاضواء، عسى أن يكون الحجرة التي تسند الخابية.
وفي السياسة أيضاً، طرحت الحركة التي يشهدها المقر البطريركي سؤالاً عما اذا كانت القوى السياسية الداعمة لخطاب الراعي في صدد استثمار هذا النداء والدفع عبره، لمزيد من الضغط السياسي على الحكومة ومن تمثّل. ذهب البعض الى حدّ طرح احتمال إعادة تكوين لقاء سياسي مشابه للقاء قرنة شهوان الذي كانت ترعاه بكركي بواسطة المطران الراحل يوسف بشارة، والذي شكل شرارة انطلاق المعارضة اللبنانية ونواتها بوجه الوصاية السورية.
وفق المطلعين، لا تشي الأجواء المحيطة بالبطريرك الى نيته تحويل ندائه إلى وثيقة تأسيسية لأي لقاء سياسي، ولو أنّه سيسعى الى تفعيل هذا الخطاب خلال زيارته المرتقبة الى الفاتيكان. ولكن الذهاب أكثر في قيادة جبهة معارضة داخلية، لا يبدو أنه سيناريو وارد، أقله في هذه اللحظة.
أكثر من ذلك، يقول المطلعون إنّ شعار الحياد هو عملياً موضع انقسام داخلي، ولا تبدي كل الأطراف التي التقت الراعي حديثاً، تأييدها لكامل الطرح البطريركي لا بل تركز اهتمامها على الشق المتصل بـ”تحرير الشرعية اللبنانية من الحصار”، كونها تخشى من تحول النداء الى مادة سجالية وخلافية قد تزيد من عمق الانقسام الداخلي، في لحظات صراع اقليمي قد تودي بالبلاد فرق عملة!
ولذا من المستبعد الاتكاء الى النداء لصناعة جبهة معارضة، ولكن استثماره في السياسة بات أمراً واقعاً. وكان فرنجية قال بعد لقائه الراعي: “أتينا لنعطي رأينا ونستمع إلى سيدنا حول كل الهواجس. ونحن إلى جانبه. وخوفنا على البلد رغم أن كلاً منا ينظر اليه بطريقته”.
وأضاف: “في هذه المرحلة المصيرية يجب دفع الأمور إلى الأمام، وخصوصاً في ما يتعلق بالوضع الاقتصادي، لرؤية كيفية بناء الثقة. وعلى الجميع التعاون في هذا الاطار”.
مواقف من دار الفتوى
وفي هذا السياق شهدت دار الفتوى زيارات من شخصيات سياسية لبنانية معلنة تأييدها لما جاء في نداء الراعي. فبعد زيارة الرئيس فؤاد السنيورة دار الفتوى ولقائه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، قال السنيورة: “نرى في كلام البطريرك الراعي مناسبة لإطلاق حوار وطني جامع يحافظ على لبنان دولة ووطناً ورسالة. وتشاورنا مع المفتي في النقاط الثلاث الرئيسية في كلمة البطريرك. ونحن نفهم كلام غبطته بأنه ليس دعوة للعودة إلى الانقسام اللبناني”.
واعتبر النائب نهاد المشنوق في تصريح له من دار الفتوى أن “هناك أزمة سياسية في علاقات لبنان الخارجية، إضافة الى التقصير في الإصلاحات من قبل الحكومة الحالية والحكومات السابقة حتى التي كنت مشاركاً فيها”. وأضاف: “أحثّ الحكومة الحالية على اتخاذ قرارات تعيد فتح أبواب المجتمع الدولي والمجتمع العربي القادر على مساعدتنا. وعلى القوى الفاعلة والمؤثرة والقادرة في لبنان الجلوس والحوار حول القواعد الثلاث التي تحدّث عنها البطريرك الراعي”.