يمكن القول بعد اللقاء الذي جمع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون امس في قصر بعبدا، إن الموقف الرئاسي من مبادرة بكركي لتحييد لبنان، حُسم أخيرا، بعد كثير من التأويل والتحليل والمعطيات التي ضخّتها مصادر من هنا وهناك في السوق السياسية المحلية. قُطع الشك باليقين: بعبدا لا تؤيّد الطرح الذي يحمله رأس الكنيسة المارونية. الاخير حاول تلطيف ما سمعه من الرئيس والحديث بلهجة ايجابية من القصر، الا ان المعلومات التي عممها القصر بعد اللقاء، أزالت اي التباس بتأكيدها ان لا خلاف بين الرجلين بل تفاوت في وجهات النظر، وبإصرارها على التأكيد ان رئيس الجمهورية يشترط تأمين توافق داخلي على اي مبادرة، ليسير بها.
ولمّا كان هذا التوافق غير مؤمّن، ولمّا كان مطلب “الحياد” اساسَ شرخ سياسي داخلي عمودي عمرُه عقود، حيث يرفع لواءه فريق ما كان يعرف بـ14 آذار، ويرفضه حزب الله الماضي قدما في حروبه في الميادين العربية وفي تصويبه على الغرب والعرب وسياساتهم التي يراها تخدم اسرائيل، فإن مصادر سياسية معارضة تقول لـ”المركزية”، ان الرئيس عون باصراره على “التوافق”، إنما قال “بلطف”، “لا” لمبادرة الراعي، ورفع، من حيث يدري او لا يدري، حائطا عاليا امامها.
وتشير المصادر الى ان رئيس الجمهورية، بين بكركي والضاحية، اختار الثانية. ومع ان الامر طبيعي، نظرا الى التفاهم السياسي القائم بين الجانبين، الا ان المصادر تبدي استغرابها لكون هذا الاتفاق، لا يزال عصيّا على الكسر، رغم فداحة الوضع الداخلي، واهترائه اقتصاديا ونقديا ومعيشيا، والذي لن يخرجنا منه سوى عودة الاسرة الدولية العربية والغربية الى بيروت، في واقع لن يتحقّق قبل ان تفكّ الدولة عموما، وبعبدا خصوصا، ارتباطها الوثيق بالحزب، فينطلق سيّد القصر مثلا في جولة خارجية واسعة يبشّر فيها بعودة لبنان الى موقعه الوسطي كجسر تواصل بين الشرق والغرب…
بعيدا من الاحلام هذه، تتابع المصادر، فإن مبادرة الصرح دخلت امس الاربعاء مرحلة جديدة. هل سيكمل بها البطريرك الماروني؟ على الارجح، نعم، غير ان مهمّته ستكون أصعب بلا شك، بعد ان بات نصف اللبنانيين، وعلى رأسهم الرئيس الماروني، في موقع لن نقول “الرافض”، بل “غير المتحمّس” او المتعاون في مهمة إنجاح عمليّة تحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية.
ويبدو ان جهود الفريق الممانع في البلاد ستتواصل في الايام المقبلة، مدعومة من موقف الرئيس عون، لتنفيس مبادرة الراعي وتطويقها اذا جاز القول. وفي هذه الخانة، تصب زيارة سفير ايران في بيروت الى الديمان اليوم، والزيارة المرتقبة لرئيس الحكومة حسان دياب الى الصرح البطريركي، نهاية الاسبوع ايضا. وهذه القوى ستستفيد من “دبلوماسية” الراعي وتأكيده امس ان دعوته الى الحياد وتحرير الشرعية “ليست موجهة الى فريق واحد في الداخل، بل الى الجميع”، ستستفيد منها لمحاولة إفراغ طرح الراعي من مضمونه. فكيف ستتعاطى بكركي مع المعطيات الجديدة هذه؟ وهل سيتمكّن الراعي رغم كل الحملات البريئة وغير البريئة من صون طرحه، والمضي فيه قدما حتى يؤتي ثماره، تماما كما أثمرت مساعي أسلافه البطاركة الياس حويك وانطون عريضة، ونصرالله صفير؟