كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”:
وسط الخلاف الداخلي على حجم الخسائر، وبين الـ241 ألف مليار المقدرة في خطة الحكومة، والـ 60 ألف مليار ليرة التي توصّلت اليها لجنة تقصّي الحقائق في مجلس النواب، يخسر لبنان يومياً من حجم الدعم المالي الاجنبي المفترض ان يحصل عليه، كما ويخسر عشرات آلاف اللبنانيين وظائفهم وجزءاً من رواتبهم مع تآكل قدرتهم الشرائية.
رغم إعلان صندوق النقد الدولي بشكل واضح وصريح انه أقرب الى أرقام الحكومة، محذّراً السلطات اللبنانية من محاولات تقليل الخسائر المالية، لا تزال المفاوضات بين الطرفين تراوح مكانها بعد شهرين على انطلاقها وعقد 17 جلسة تفاوض، لم تتمكن في غضونها السلطات من التوحّد حول خطة الحكومة.
المسؤول السابق لدى صندوق النقد الدولي محمد الحاج نصحَ الحكومة اللبنانية بنَقل الكرة من ملعب الخلافات اللبنانية الداخلية حول الارقام والخسائر، ورَميها في ملعب صندوق النقد الدولي الذي يملك كافة الارقام وكافة التقديرات بالاضافة الى خطة الحكومة الاقتصادية، وذلك من خلال طلب الحكومة من الصندوق اقتراح البرنامج الذي يعتبره مناسباً وشاملاً لكافة القطاعات، على ان تكون الحكومة مستعدّة لدعمه.
وأوضح انّ التقرير الذي سيعدّه خبراء الصندوق ويناقش في المجلس التنفيذي في نهاية المطاف سيعتمد على الارقام التي سيوافق عليها خبراء الصندوق.
وفيما دعا الحاج الى الكفّ عن التدخل سياسياً في خطة الحكومة، شدّد على انّ الجدل القائم حالياً حول الارقام، يُترجم يومياً في زيادة التكلفة التي يدفعها المواطن جرّاء تواصل التدهور الاقتصادي وانهيار الليرة واختفاء السلع من الاسواق، «والأهمّ من ذلك هجرة رأس المال البشري الذي لا يمكن تعويضه».
ورأى الحاج انه لو توحّدت السلطات، من مجلس نواب وجمعية المصارف ومصرف لبنان، حول الارقام الواردة في خطة الحكومة، لكان لبنان قد توصّل منذ فترة الى برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي «لأنّ المفاوضات لا تحتاج الى تلك الفترة الطويلة ولم يكن يجب ان تبقى قائمة لغاية اليوم». بالاضافة الى ذلك، أكد الحاج انه لو تمّ التوافق على خطة الحكومة، «لكنّا قد شهدنا استقراراً في سعر صرف الليرة وبدأنا نلمس إيجابيات برنامج الانقاذ بالتعاون مع صندوق النقد الدولي».
وقال: أضاعت السلطات في لبنان الكثير من الوقت في المزايدة على الارقام وعلى حجم الخسائر، مما أخّرَ في تنفيذ الاصلاحات التي يطلبها الصندوق مسبقاً (prior actions) قبل توقيع اي برنامج إنقاذ.
وشدد في هذا الاطار على انّ الفلسفات الحسابية المتّبعة بين مختلف الاطراف من أجل تبيان أحقية نظريته من حيث حجم الخسائر المقدّرة، لن تجدي نفعاً مع صندوق النقد الدولي، لأنّ الاخير على دراية بالارقام والتقديرات حول حجم الخسائر الفعلية، وهو الذي سيحسم في نهاية المطاف هذا الجدل.
وفيما لفت الحاج الى انّ صندوق النقد الدولي يشدد على ضرورة وجود دعم سياسي لأي برنامج اصلاحي، اكد انّ الخلاف القائم بين الاطراف اللبنانية يبعث برسالة مفادها انّ اي برنامج إصلاحات لن يكون تطبيقه مضموناً في المستقبل، كما انه يزيد من نسبة المخاطر التي قد يتكبّدها الصندوق إثر توقيعه برنامج انقاذ مع لبنان. وبالتالي، فإنّ حجم الدعم المالي الذي يمكن ان يحصل عليه يمكن ان يكون أقلّ من المتوقع سابقاً.
واشار الى انّ خطة الحكومة هي خطة جيّدة لأنها عرضت بشفافية وصراحة أخطاء السياسات الاقتصادية المُتّبعة منذ 30 عاماً، والتي اعتمدت على الاستدانة لتمويل الانفاق الجاري الذي اتّسم بالهدر والفساد، من دون ان يقابل ذلك أي استثمارات قد تدرّ إيرادات لتسديد الدين العام، مشيراً الى انّ من اهم أخطاء السياسات النقدية المتّبعة، عدم مراعاة سعر الصرف الفعلي الحقيقي للعملة اللبنانية والاستمرار في تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار لمدة 23 عاماً، مما أدى الى تدهور القدرة التنافسية للاقتصاد اللبناني.
في الختام، اعتبر الحاج انّ الأزمة التي يمرّ به لبنان حالياً كانت متوقعة منذ 25 عاماً، «وبالتالي، لا يجوز ان يدّعي أحد من واضعي السياسات الاقتصادية في البلاد منذ 30 عاماً ولغاية اليوم، انه لم يكن على يقين بأنّ تلك السياسات ستؤدي الى انفجار الأزمة الحالية».
أضاف: لا أحد من المسؤولين يضع مصلحة البلاد قبل مصالحه الشخصية او الحزبية خلال كافة المفاوضات والمباحثات الجارية حالياً. وسأل: هل يعتقدون انه سيبقى هناك من بلد لكي يستمرّوا ويحكموا هذا البلد؟