Site icon IMLebanon

لبنان آخر ساحات اختبار الصبر الإيراني

كتب طارق ترشيشي في “الجمهورية”:

على حد ما يقول قطب نيابي بارز، انّ الاميركيين ضاقوا ذرعاً، فوجدوا بلبنان ضالّتهم لاختبار صبر الايرانيين وإجبارهم على الجلوس معهم الى طاولة المفاوضات لعلهم يحققون مكسباً يمكن الرئيس الاميركي دونالد ترامب من توظيفه في حملته الانتخابية، بما يجعله متقدماً على منافسه الديموقراطي جو بايدن الذي يتقدّم عليه انتخابياً، مرجّحاً حالياً الكفة لمصلحته في الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني المقبل.
يقول قطب نيابي انّ الخطأ الكبير الذي وقعت فيه الادارة الاميركية هو لجوؤها الى اسلوب القتل لتطويع ايران عبر اغتيالها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني (الباسدران) اللواء قاسم سليماني مطلع السنة بهجوم جوي قرب مطار بغداد، ولكنها اكتشفت انّ الايرانيين تصلّبوا في الموقف اكثر واكدوا الاستعداد للمواجهة العسكرية، وكان هجومهم الصاروخي على الاميركيين في قاعدة «عين الاسد» على الاراضي العراقية، تعبيراً عن هذا الاستعداد للمواجهة غير عابئين بالنتائج التي يمكن ان تترتب عليها.

ولكن عدم رد الاميركيين عسكرياً عن هذا الهجوم الايراني، دلّ الى استدراكهم انّ الاسلوب العسكري لن يُجبر الايرانيين على التفاوض معهم على الاقل، وانّ الديبلوماسية تبقى الخيار الافضل للوصول الى تفاهم مع طهران، إلّا انّ المحاولات التي جرت منذ ذلك الحين عبر أقنية مختلفة للوصول الى المفاوضات مع الجانب الايراني، لم تنجح لا على صعيد إمكانية التوصّل معه الى اتفاق نووي جديد، ولا حول اليمن ولا في العراق الذي يبدو انّ وضعه غير مَمسوك من الطرفين على رغم الاتيان بالكاظمي الى رئاسة الحكومة العراقية كنقطة تلاق مشتركة بين الجانبين، وكذلك في سوريا لم يتمكن الاميركيون من تحقيق أي مكاسب وها هم شبه محاصرين هناك، على رغم من «قانون قيصر» وما ترمي اليه واشنطن من اهداف من خلاله، والذي يخشى البعض من ان يطاوِل لبنان في بعض جوانبه.

ويعتقد هذا القطب انّ الايرانيين ليسوا في وارد الدخول في مفاوضات او تسويات او اتفاقات مع الاميركيين قبل استحقاق الانتخابات الرئاسية الاميركية، وهم يدركون مدى حاجة ترامب وإلحاحه حتى على تحقيق إنجاز ولو في الشكل معهم من خلال التقاط صورة لبدء المفاوضات فقط، ولذلك يستمرون في تصعيد العقوبات على طهران وحلفائها لعلها تلين مواقفهم، ولكن من دون جدوى لأنّ ما يرشح من الاجواء الايرانية يعاكس ذلك تماماً، وانّ المسؤولين الايرانين يتشدّدون في الموقف اكثر نتيجة الضغوط التي لا ينفكّ الاميركيون عن ممارستها عليهم رافضين شرط الايرانيين برفع العقوبات عن بلادهم قبل الجلوس الى أي طاولة مفاوضات.

ويقول هذا القطب انّ الاميركيين، وبعد أن أُسقِط من يدهم ولم يعثروا على طريقة للتفاوض مع الايرانيين، لم يجدوا امامهم الّا ساحة لبنان لممارسة الضغوط على طهران عبر تصعيد حملة ضغوط وحصار على حلفائها اللبنانيين وعلى رأسهم «حزب الله»، حيث يتبارى بعض القوى السياسية الحليفة لواشنطن وحلفائها، على كَيل الاتهامات لهذا الحزب بالتسبّب بالانهيار المالي والاقتصادي وبالازمة السياسية بسبب انتمائه الى المحور السوري ـ الايراني وتدخله في سوريا واليمن ومعاداته لدول الخليج وللولايات المتحدة الاميركية والغرب عموماً، ما أدى، في رأيهم، الى وقف المساعدات والقروض وغيرها، وصولاً الى منع تغيير الحكومة التي فشلت، في رأي خصومها، في إيجاد المعالجات التي توقف الانهيار الذي أصاب البلاد.

ويقول مطلعون على موقف الحزب انّ الاميركيين يعتقدون انهم، من خلال تضييقهم عليه سياسياً ومالياً، يدفعون ايران الى تغيير موقفها وتقديم تنازلات في اتجاه الدخول في مفاوضات معهم، لكنّ هذا الامر لا يبدو انه سهل المنال، علماً انّ الاميركيين يبررون هذه الضغوط بأنّ الغاية منها هي تقويض نفوذ «الحزب» والمقاومة، التي يقود، كونها تهدد أمن اسرائيل، وقد قال وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو في وضوح أخيراً انّ العداء بين الادارة الاميركية و»حزب الله» سَببه انه «يهدد أمن اسرائيل». وهذا الكلام لم يصدر اي تعليق عليه من ايّ حليف لواشنطن، لبنانياً كان او غير لبناني، حتى اللحظة. بل تَجاهله كثيرون ليستمروا في التركيز على اتهام الحزب بـ»السيطرة» على القرار في الدولة عبر حكومة الرئيس حسان دياب، التي يعتبرونها «حكومة حزب الله».

على انّ هذا القطب النيابي يعتبر «أنّ معاودة بعض القوى السياسية استحضار القرارت الدولية، وعلى رأسها القرار 1559 الصادر عام 2004، الذي يقول بـ«نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية»، هو من ضمن عدّة الضغوط والحملات التي يتعرض لها «حزب الله» في الداخل ومن الخارج».

ويشير مطّلعون في هذا السياق الى انّ هذه القوى السياسية تحاول الآن توظيف دعوة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى حياد لبنان عن النزاعات الاقليمية والدولية في إطار الحملة الاميركية ـ المحلية على «حزب الله»، فيما هؤلاء ليس لديهم أي ضمان في انّ اسرائيل ستكون مُحايدة وتعيد للبنان ما تحتله من ارض في البر والبحر، وتعيد اللاجئين الفلسطينيين الى بلادهم اذا التزم لبنان الحياد. كذلك ليس لديهم ايّ ضمان بحصول الجيش من الولايات المتحدة او اي دولة غربية أخرى على أسلحة رادعة تُمكّنه من تحقيق التوازن، وتردع اسرائيل عن الاعتداء عليه حتى يمارس الحياد المطلوب، والذي يخدم مصالحه الحالية والمرحلية والاستراتيجية.

في أيّ حال إنّ البطريرك الراعي خرجَ من زيارته الرئيس ميشال عون ليوضِح انّ «حياد لبنان» الذي ينادي به هو «الحياد الايجابي» الذي يجعل لبنان فاعلاً ايجابياً في محيطه وعلى الساحة الدولية، وليس الانعزال عن المحيط والعالم، في حين انّ بعض القوى السياسية تأخذ هذا الحياد الى مكان آخر بحيث يكون إقصاء مصالح ونفوذ محاور او إقصاء دول عربية او اجنبية عن لبنان لمصلحة إحلال مصالح ونفوذ محاور او دول أخرى بغية تحقيق مشاريعها السياسية في السلطة وخارجها، وهذا ليس حياداً وإنما إمعان في إقحام البلاد في المحاور والنزاعات الاقليمية والدولية.