كتب عمر البردان في “اللواء”:
ما زال الدوران في الحلقة المفرغة عنواناً للمفاوضات التي تجري بين لبنان وصندوق النقد الدولي، بعد ما يقارب من 18 جولة لم تثمر عن إحراز تقدم، من شأنه أن يساعد على جلاء الصورة المتصلة بهذه المفاوضات حتى الآن، وسط تعثر واضح في أداء الفريق اللبناني المفاوض الذي تحاصره الأزمات، بعد الاستقالة المدوية التي تقدم بها المدير العام لوزارة المالية آلان بيفاني، وما أعقبها من آراء صدرت على لسانه، وتركت أصداء بالغة السلبية لم تسلم منها الحكومة، إلى مسؤولين سياسيين ومصرفيين، بعدما كشف عن تحويل المصارف لما يقارب من ستة مليارات دولار إلى الخارج الخريف الماضي.
وكان من الطبيعي إزاء هذا الواقع، أن تعلو الصرخة منبهة من خطورة هذا المسار الذي ينذر بعواقب وخيمة إذا لم يحصل تغيير جدي في الأداء، في مقابل العمل من أجل حماية لبنان من تداعيات ما يجري في الإقليم، من خلال الدعوة إلى حياده، على ما يشدد عليه البطريرك بشارة الراعي في مواقفه الأخيرة التي لاقت تأييداً سياسياً وروحياً واسعاً، مسيحياً وإسلامياً، باعتبارها كما أجمع على ذلك زوار رأس الكنيسة المارونية، بمثابة، خارطة طريق يجب الاقتداء بها، للخروج من هذه الأزمة التي تتحمل الحكومة، كما يقول هؤلاء مسؤولية أساسية في وصول البلد إلى ما وصل إليه، نتيجة التخبط والعشوائية، وغياب القدرة على حسن إدارة الملفات، انطلاقاً من مصلحة البلد العليا، قبل أي أمر آخر. وقد بدا لافتاً في هذا السياق، الحملة غير المسبوقة لـ«اللقاء الديمقراطي» على الرئيس حسان دياب وحكومته، استكمالاً لهجوم رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على رئيس مجلس الوزراء، وعلى وقع اتساع رقعة الانتقادات لعمل الحكومة من جانب قوى المعارضة التي اتهمها دياب بالعمل ضد مصلحة لبنان، وصولاً إلى حد الخيانة، على ما وصل به القول.
ويقول عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب مروان حمادة، لـ«اللواء»، «إننا أعطينا الحكومة فترة تفوق المائة يوم التي منحتها لنفسها، وتبين أن كل يوم من المائة وكل يوم بعد المائة كان يجلب كارثة إضافية على لبنان. فبدل الانطلاق في الخطوات الإصلاحية رأيناها تمارس العكس تماماً، بتشويه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وإظهار لبنان وكأنه بلد مصمم على إفلاس نفسه. ففي الكهرباء والنفايات وعقود النفط والفيول والتعيينات الإدارية الملتوية، إضافة إلى قضائها على استقلالية القضاء، أظهرت الحكومة صورة عن لبنان لم تعد تسوق، لا في الداخل ولا في الخارج». حيث يشير حمادة هنا إلى أن «الحكومة، ليست وحدها مسؤولة، وإنما النهج الذي يعتمده عهد الرئيس ميشال عون لا يبشر باستكماله على خير خلال السنتين والنصف المتبقيتين منه. ولذلك خرجنا عن الصمت من أجل التصحيح أو التغيير، وقد يكون التغيير السبيل الوحيد لإخراج لبنان من أزمته الخانقة».
المساعدات الخارجية لنا تتعدى الوحدات الغذائية وشحنات الأدوية
وإذا كانت صدرت دعوات للعهد لتصويب مساره بعدما دخل البلد في النفق، بالتوازي مع اتساع رقعة المطالبين باستقالة الحكومة، فإن حمادة يرى أن التغيير، يعني تغيير العهد والسياسة. والحكومات هي نتاج نهج سياسي لا بد أن يعود إلى مرتكزين: الإصلاح والحياد الإيجابي، وإن كان لا يتوقع شيئاً من هذا الإصلاح، لأن «الحكومة لا وجود لها. وبالتالي فإن الأهم أن يتحرر العهد من هذا الحصار الذي يطوق الشرعية، تماماً كما دعا إلى ذلك البطريرك بشارة الراعي». ويضيف: «إذا لم يتحرك لبنان بسرعة نحو تصويب سياسته الخارجية وترشيد حوكمته الداخلية والإقلاع عن الوسائل البوليسية، سيكون الآتي للأسف، أعظم». في وقت يستجدي لبنان المساعدات الخارجية، لإنقاذه من أزمته المالية التي استفحلت على نحو بالغ الخطورة، وإن كانت الآمال المعلقة على زيارات الموفدين إلى الخارج، طلباً للمؤازرة تبدو خجولة، حيث يشير حمادة في هذا الخصوص، إلى أن «اللواء عباس إبراهيم خير سفير للمهمات التوفيقية. لكن للأسف لا الرسائل تتمتع بالمصداقية ولا صورة لبنان توحي بالثقة. فكل ما يستطيع اللواء إبراهيم فعله هو إسماع الكلام الطيب وسماع الكلام الأطيب».
ومن خلال ما رشح من نتائج عن زيارة اللواء إبراهيم إلى الكويت، فإنه وبحسب سياسة لبنان الخارجية الحالية، فإن المساعدات كما يقول حمادة، «يبدو أنه غير واردة، لا عند الخليجيين ولا عند غيرهم، إلا إذا اعتبرنا أن الوحدات الغذائية، أو شحنات الأدوية والكمامات، بمثابة مساعدات»، مشدداً على أن مقدمات زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان إلى بيروت، في حال حصولها «كان خطاباً نارياً له في مجلس الشيوخ الفرنسي، دعا فيه اللبنانيين إلى مساعدة أنفسهم، لكي يبادر الآخرون إلى مساعدتهم».
ولا يرى عضو «اللقاء الديمقراطي»، أن «حزب الله» بوارد القبول بتغيير الحكومة الحالية، كونها تنفذ أوامره وتعليماته وسياسته، باعتبارها مجرد ستار لا أكثر ولا أقل، موجهاً نصيحة بأن «يستمع الجميع إلى نداء البطريرك الراعي لأنه يرسم خارطة طريق إنقاذية للبنان بكل مكوناته، بما فيها ربما حزب الله».