العتمة مستمرة وتتمدّد بالرغم من الوعود الرسمية باقتراب الحل. وهي صارت تشمل المولدات أيضاً، بعد أن عمد بعضها إلى الإطفاء التام، نتيجة فقدان المازوت ووصول أسعاره في السوق السوداء إلى 36 ألف ليرة. لكن في المقابل، فإن وزارة الطاقة و«كهرباء لبنان» أكدتا أن الانفراج صار قريباً، بعد وصول بواخر المحروقات التي تشغّل المعامل تباعاً، وبعد وصول ما يقارب الـ 90 ألف طن من المازوت خلال الفترة المقبلة
لأكثر من عشرين عاماً، كانت المولدات الخاصة، على مساوئها وكُلفتها العالية، بديلاً موثوقاً للدولة العاجزة عن تأمين الحد الأدنى من واجباتها تجاه المواطنين. مقابل الكهرباء المقطوعة والوعود الكاذبة بانتهاء عصر التقنين، شكّلت المولّدات التأمين الذي يدفع ثمنه المواطن للحصول على حد أدنى من الاستقرار في الطاقة. منذ أسبوعين لم يعد التأمين كافياً. الغياب شبه التام لكهرباء الدولة ، والذي وصل، في بعض المناطق، إلى 22 ساعة يومياً، لم تتمكن المولدات من تعويضه لفترة طويلة. فرضت بدورها تقنيناً يُضاف إلى تقنين الدولة، فكانت النتيجة عتمة على شبه شاملة طاولت عدداً من المناطق. خلال اليومين الماضيين، زاد الوضع سوءاً، فأُطفئت مولّدات بالكامل، نتيجة فقدان مادة المازوت من الأسواق ونتيجة فترات التشغيل الطويلة. وهذا التقنين في المولّدات لم يسمح بلمس التحسن الطفيف الذي طرأ بعد إفراغ باخرة فيول في خزانات مؤسسة كهرباء لبنان، والتي رفعت الإنتاج من 500 ميغاواط إلى 875 ميغاواط. ولذلك، شهدت مداخل بيروت تجمّعات احتجاجية على ما وصلت إليه أوضاع الكهرباء.
يقول رئيس تجمّع أصحاب المولّدات عبدو سعادة إن بعضهم يضطر لشراء المازوت بـ«الغالونات» لكي لا يطفئ مولّداته، لكن إذا استمر فقدان هذه المادة، فإن الإطفاء قد يكون حتمياً. علماً أن الشحّ الكبير ترافق مع ارتفاع استثنائي في سعر الصفيحة، الذي وصل أمس إلى 36 ألف ليرة. ففي الأيام الماضية أقفلت مصافي النفط في وجه أصحاب المحطات، بعد أن حصرت إدارة المنشآت ما تبقّى من احتياطي المازوت لديها بتأمين حاجة المستشفيات والأفران.
المشكلة أن التبريرات أو الوعود الرسمية لم تعد تقنع أحداً. الناس قطعوا الطرقات عند مداخل بيروت مندّدين بانقطاع الكهرباء والماء. أزمة الكهرباء لا تزال محصورة بغيابها. في نهاية الشهر، ستكون الأزمة مالية أيضاً. يُتوقع أن تصل فاتورة المشترك بـ5 أمبير إلى 250 ألف ليرة.
أصحاب المولّدات اكتفوا من الوعود الكاذبة والغياب التام لوزارة الطاقة عن تحمّل المسؤولية. ولذلك، عُلم أن تجمع أصحاب المولّدات سيقوم بتحرّك، يوم الاثنين، باتجاه السرايا الحكومية بعدما فقدوا الأمل بوزارة الطاقة. يقول أحدهم إنه لو كان مكان وزير الطاقة لعمد، بدلاً من النزول إلى الوزارة، إلى الطيران نحو العراق أو أي بلد آخر، وعدم العودة إلا بتوقيع اتفاق لتوريد المشتقات النفطية. سعادة يذهب بدوره إلى المطالبة بإنهاء خضوع أصحاب المولّدات للتجار، مبدياً استعداد التجمع لاستيراد المازوت مباشرة، إذا فُتحت له اعتمادات.
وإذا كان التجمع يتخوّف من تفاقم الأزمة، فإن الجهات الرسمية المعنية تصر على تعميم أجواء التفاؤل. وزير الطاقة ريمون غجر قال، بعد اجتماع عقده الرئيس حسان دياب مع مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، إن «أزمة الكهرباء في طريقها إلى الحل على مراحل. هناك باخرة وصلت في الأسبوع الماضي، وأخرى ستصل في آخر الأسبوع الجاري، على أن تصل بواخر غاز- أويل الأسبوع المقبل، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة في إنتاج الكهرباء، وبالتالي تحسين التغذية بشكل ملحوظ».
كذلك، أشارت مؤسسة كهرباء لبنان، في بيان، إلى أن «التغذية بالتيار الكهربائي بدأت تشهد تحسناً طفيفاً مع انتهاء باخرة الفيول اويل «Grade B» من تفريغ حمولتها بتاريخ 12/7/2020 لتشغيل معملَي المحركات العكسية في الذوق والجية والباخرتين المنتجتين للطاقة، ما سمح بوضع حوالى 375 ميغاواط إضافية على الشبكة. كما أنه من المتوقع أن تشهد التغذية مزيداً من التحسّن مع تفريغ الباخرة المحمّلة بمادة الفيول أويل «Grade A» لزوم معملَي الذوق والجية القديمين حمولتها في غضون اليومين المقبلين كما هو مرتقب، ما يسمح بوضع أكثر من 230 ميغاواط إضافية على الشبكة بعد إعادة تشغيل معمل الذوق.
تجمّع أصحاب المولدات: مستعدّون لاستيراد المازوت
ومع وصول باخرة الغاز أويل في 19 تموز الجاري كما هو متوقع، ستشهد التغذية تحسناً ملحوظاً مطلع الأسبوع المقبل بعد إضافة حوالى 500 ميغاواط من خلال معملَي دير عمار والزهراني». كما وعدت المؤسسة بالسعي، بالتعاون والتنسيق المتواصلين مع وزارة الطاقة والمديرية العامة للنفط، للحفاظ في المستقبل على القدر الممكن من الاستقرار بالتغذية الكهربائية.
لكن هل ستعود التغذية إلى طبيعتها؟ يتطلّب الأمر استقراراً في تزويد المولدات بالمازوت أيضاً. مصدر في وزارة الطاقة يبشّر بأن أزمة المازوت في طريقها إلى الحل أيضاً، مشيراً إلى أن ما يعادل 90 ألف طن من مادة المازوت سيصل تباعاً إلى منشآت النفط، وهو كفيل بتأمين حاجة السوق لفترة طويلة. كما يذكر المصدر أن التقديرات تشير إلى تخزين ما يُقارب الكمية نفسها، إن كان في المحطات أو في المنازل أو لدى الشركات. هذا الأمر أعاد وزير الطاقة طرحه أمس، فاعتبر أن موضوع التهريب محدود جداً. كما أشار إلى أن حجم الاستيراد لم يرتفع هذا العام، بل إن الوضع طبيعي بالمقارنة مع الأعوام الأربعة الماضية. وقال إن «كمية استيراد المازوت لا تلبي الحاجة، فقسم منه يذهب إلى المولدات والتجارة والصناعة، والقسم الآخر يذهب إلى التخزين».