كتبت ايفا ابي حيدر في صحيفة “الجمهورية”:
لا شك في أنّ الأزمة المالية التي يمر بها لبنان غيّرت الكثير من عادات اللبناني ومن نمط حياته السابق، حين كانت غالبية مشترياته من الكماليات. كيف تغيّرت مستورداتنا في العام 2020؟ وأي منتجات شُطبت من جدول حياتنا اليومي؟
منذ تشرين الاول 2019، بدأ مسار حياة اللبناني يتغير نحو الأسوأ، وحتى الساعة لا يزال يسير نحو مزيد من التدهور. بنتيجة ذلك، تراجعت او حتى أحياناً انعدمت الرفاهية التي كان يتمتّع بها، هو الذي كان يفاخر بتنوّع منتوجاته، فكل ما يشتهيه في أي بلد في العالم يتم استيراده له وفق سعر وهمي للدولار بـ 1515 ليرة.
لكن بعد ان انقلبت الحياة رأساً على عقب، تراجعت الواردات الى حوالى النصف، بعد تراجع استيراد الرفاهية المصطنعة، لتعود وتأخذ الواردات حجمها الطبيعي، بعدما تراجعت من نحو 20 مليار دولار سنوياً الى ما بين 8 الى 10 مليارات دولار متوقّعة لهذا العام.
فقد سجّل مجموع مستوردات لبنان حتى شهر أيار 2020 من حيث القيمة (بالدولار) والزِنة (بالطن) أرقاماً متدنية مقارنة مع الفترة نفسها من السنوات الماضية بين 2016 و2019، بحيث بلغت قيمتها حتى شهر ايار 50 % مقارنة مع السنوات الماضية، وذلك يعود طبعاً الى الأزمة المالية التي ضربت البلد.
في السياق، يرى المتخصّص في الشؤون الإحصائية عباس طفيلي انّ ارقام مديرية الجمارك اللبنانية حتى شهر ايار 2020 أفرزت الواردات اللبنانية ضمن 4 اقسام: أصناف حافظت على حجمها لا سيما الاساسية منها، أصناف توقّف استيرادها، تراجع في البعض منها لا سيما الكماليات، في مقابل ارتفاع في استيراد الاساسيات واستقرار في حجم البعض الاخر.
– الأصناف التي تراجع حجم استيرادها بشكل لافت عام 2020 مقارنة مع العام 2019، هي: الاسماك (طازجة او مبردة، شرائح) من 37 مليون دولار عام 2019 الى 14 مليوناً، ألبان وقشدة وزبدة وجبن من 134 مليون دولار العام الماضي الى 78 مليون دولار، بن وشاي من 61 مليون دولار الى 30 مليون دولار، دقيق ونشا من 11 مليون دولار الى 6 ملايين دولار، مكسرات من 85 مليون دولار الى 50 مليون دولار، التبغ من 68 مليون دولار الى 26 مليون دولار، أجهزة الهاتف من 127 مليون دولار الى 34 مليون دولار (رغم ذلك لا يزال الرقم كبيراً)، الماس من 174 مليون دولار الى 97 مليون دولار (لا يزال الرقم كبيراً)، عطور ومستحضرات تجميل من 147 مليون دولار الى 63 مليون دولار، المنتجات المعدنية من 3072 مليون دولار الى 1300 مليون دولار، ورق وخشب من 209 ملايين دولار الى 94 مليون دولار، منسوجات وأحذية من 336 مليون دولار الى 126 مليون دولار، آلات واجهزة كهربائية من 750 مليون دولار العام الماضي الى 274 مليون دولار.
كذلك تراجع استيراد المعلبات والكاتشاب وصلصات البندورة، ساعات اليد، ألعاب دراجات بـ3 عجلات وسكوتر، معدات للرياضة البدنية، شامبو، معجون اسنان ومعجون حلاقة، شوكولا، خبز وكعك وبسكويت وفطائر، خميرة، عصير الفاكهة حساء ومرق، مياه، بزر عباد الشمس، مشروبات كحولية… (أنظر التابلو). واللافت ايضاً تراجع استيراد الحديد وإنتاج الاسمنت، الّا انّ لهذا التراجع مدلولات سلبية لا سيما في وقت ينشط فيه السوق العقاري في لبنان. وفي السياق، يلفت طفيلي الى انّ تراجع الحديد وإنتاج الاسمنت دليل على انّ حالة التشييد والبناء شبه معدومة، وما ينشط هو بيع المخزون القديم من الشقق والاراضي.
– السلع التي لم يتغير كثيراً حجم استيرادها مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2019، هي خصوصاً: منتجات المملكة النباتية التي سجلت استيراداً بقيمة 355 مليون دولار مقارنة مع 480 مليون دولار عام 2019، الشحوم والزيوت الحيوانية والنباتية التي تراجعت من 66 مليوناً عام 2019 الى 56 مليون دولار، لحوم وحيوانات حية سجلت 167 مليون دولار عام 2020 مقارنة مع 187 مليون دولار عام 2019، الخضار 68 مليون دولار هذا العام مقارنة مع 85 مليون دولار العام الماضي، (من شأن ذلك أن يصبّ لصالح الانتاج المحلي)، ذرة 42 مليون دولار هذا العام مقارنة مع 43 مليون دولار العام الماضي، معكرونة 17 مليون دولار هذا العام مقارنة مع 16 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، الكورنفلكس حافظت على نفس كمية الاستيراد 7 ملايين دولار، المربّى تراجع من 4 ملايين دولار عام 2019 الى 3 ملايين دولار.
كذلك لم يتغيّر كثيراً حجم استيراد الادوية والاصناف الصيدلانية، بعدما بلغ حجم الواردات هذا العام حتى نهاية شهر ايار 2020 نحو 460 مليون دولار مقابل 521 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي.
وفي السياق، يقول طفيلي انّ نسبة التراجع في هذه الاصناف لم تتخط الـ 5 %، وبالتالي ألا يمكن تعويض هذا الفارق من الإنتاج المحلي الذي يغطي ما نسبته 7 % من حجم السوق أي حوالى 50 مليون دولار؟
اضاف: بما انّ حجم الاستيراد لم يتغير كثيراً، لماذا يظهر بين الحين والآخر انّ هناك انقطاعاً في بعض أصناف الادوية؟ بناء عليه نتساءل: هل هذه الادوية مقطوعة حقاً، ام انها لعبة المستوردين للحصول على مزيد من الدعم بالدولار؟ وهذا مطلبهم.
– الاصناف التي لم نستوردها في العام 2020 (إستيراد صفر) هي: نظارات واقية، ألعاب فيديو، مكانس وفراشي، اقلام حبر ورصاص وبوظة، الفاكهة المجففة.
-السلع والكماليات التي ارتفع حجم استيرادها او حافظت على حجمها. أن يرتفع حجم الواردات من السلع الغذائية فهذا مبرّر مع تهافت الناس على الشراء والتخزين خوفاً من ارتفاع الاسعار، امّا ان يزيد حجم بعض الواردات المصنفة في خانة الكماليات والرفاهية فيطرح علامات استفهام حول ما اذا كان الهدف من هذا النوع من الاستيراد المضخّم، هو تهريب الدولار الى الخارج خصوصاً انّ من يطلب هذا النوع من الكماليات هم من الطبقة الميسورة. فهل من يفسّر على سبيل المثال اسباب ارتفاع حجم استيراد الأسلحة والذخائر؟ في العام 2019 جرى استيراد اسلحة وذخائر بما قيمته 4 ملايين دولار، امّا في الفترة نفسها من العام 2020 فقد تم استيراد ما قيمته 6 ملايين دولار (بزيادة 50 %)، ما يطرح علامات استفهام حول اسباب التسلح، وهل هو تسلح فردي؟ الى جانب الاسلحة والذخائر، من الملفت ايضاً انّ مستوردات لبنان من اللؤلؤ والاحجار الكريمة والمعادن الثمينة لم تتأثر كثيراً بالأزمة، والتراجع أتى طفيفاً. فبعدما بلغ مجموع واردات لبنان في 2019 نحو 377 مليون دولار، تراجَع هذا الرقم الى 325 مليون دولار فقط. هذا النوع من السلع يُعدّ من الكماليات، وبالتأكيد انّ الطلب عليها تراجع إبّان الازمة المالية، لا سيما مع تراجع القدرة الشرائية للبنانيين، لا بل يمكن القول انّ بيع الذهب للحصول على الأموال رائج أكثر من شرائه. لكن في الوقت عينه لا يمكن إغفال حقيقة انّ 50 % الى 60 % من صادراتنا هي من الذهب. وبالتالي، لبنان يستورد الذهب لتصنيعه ومن ثم إعادة تصديره.
كذلك يسجّل ارتفاع وارداتنا من القمح والشعير من 61 مليون دولار عام 2019 الى 65 مليون دولار هذا العام، مع العلم انّ إنتاج القمح في منطقة الليطاني لهذا العام ممتاز، لهذا كان من المتوقع ان تتراجع كمية المستوردات منه. أما لماذا لم تتراجع ؟ فهذا سؤال برسم
ولقد ارتفعت وارداتنا من الأرز من 32 مليون دولار العام الماضي الى 45 مليوناً هذا العام، ومن سكر القصب من 25 مليون دولار العام الماضي الى 38 مليون دولار هذا العام.