IMLebanon

من استدعى “لازارد” وهل من “مهمة جديدة” لها؟

خرقت الدعوة التي أطلقت لفريق من مؤسسة “لازارد” للعودة الى بيروت في وقت قريب للقيام بـ “مهمة غامضة” اختلف المطلعون على تحديدها، الجمود المسيطر على الساحة المالية والنقدية بعد تجميد الاجتماعات بين لبنان ووفد صندوق النقد الدولي. فقد غابت مواد النقاش بينهما بعد تعذر الوصول إلى قانون “الكابيتال كونترول” او توحيد أرقام الخسائر في القطاع المصرفي كما بالنسبة الى عدم اكتمال ملف “الطاقة”.

وقبل الغوص في التفسيرات التي اطلقت، لا بد من الإشارة الى ان هذه المؤسسة كلفت بتقديم الاستشارات المالية للحكومة اللبنانية واختيرت لمهمة تقييم اوضاع الديون المترتبة على لبنان نتيجة توقفه عن الدفع لمالكي سندات “اليوروبوندز” منذ الدفعة التي استحقت لمالكيها المحليين والاجانب في 9 آذر الماضي واعادة هيكلتها بطريقة تتناول ما تبقى من دفعات تمتد حتى العام 2035 واستحقت منها حتى اليوم دفعتان واحدة في 19 نيسان وأخرى في 26 حزيران الماضي.

وعلى هذه الخلفيات، تعددت الروايات التي تحدثت عن عودة وفد المؤسسة الى بيروت بين قائل بضرورة استئناف البحث في مصير “سندات اليوروبوندز” مع مالكيها وكيفية مقاربة المخارج الممكنة، في محاولة هي الاولى من نوعها للفصل بين مصيرها والمفاوضات الجارية بين لبنان وصندوق النقد الدولي. وأخرى قالت انها استدعيت لمساعدة الحكومة اللبنانية في اعادة تقييم الخسائر المالية التي لحقت بالقطاع المصرفي بعدما تراجعت الحكومة عن مشروعها السابق. كما بالنسبة الى البحث في كيفية توزيعها على مختلف الأطراف المعنية بالملف في جانبيه الدائن والمدين، واضيف اليهم من اريد تحميلهم مسؤولية الخسائر المحققة وهم المودعون من كل الفئات ولو بنسب مختلفة. بالرغم من اعتقاد كثر أن ضم اصحاب الودائع الى لائحة المسببين بالأزمة كان خطأ فادحا لما تركه من ردات فعل سلبية. فهؤلاء من فئة ليس لها اي علاقة ولا ذنب لا في قرار الإستدانة ولا عند تبذير المال العام وكيفية التصرف بالأموال العامة المهدورة والمنهوبة والموهوبة التي تسببت بحجم الخسائر المقدرة.

ومن هذه المنطلقات، كشفت مراجع مالية مطلعة لـ “المركزية” عن جانب مهم خارج هذه المعادلة بوجهيها. ورجحت ان قرار الاستدعاء كان بإجماع مختلف الاطراف، فلبنان ومعه صندوق النقد الدولي رحبا معا بالدعوة والمهمة معا، فاستحق التفسيران بعض المصداقية. وقالت هذه المراجع في تبنيها للنظريتين ان “لازارد” تجاوزت عند تنفيذ مهمتها ما طلب منها، وتحولت الى احد خصوم الحكومة اللبنانية التي طلبت خدماتها. وان لم تخرج هذه التهمة الى العلن بعد، بالنظر الى ابعادها الخطيرة، فقد كشفت ان المؤسسة تورطت في مهمة فاضت عن التفويض ومضمون العقد معها عندما توسعت في أبحاثها وذهبت بعيدا في تقييمها للخسائر في القطاع المصرفي التي لم تكن مطلوبة منها.

ففي المهمة التي كانت محصورة بمصير “سندات اليوروبوندز” لا يسمح العقد بأن تتحدث عن حجم خسائر القطاع المصرفي وخصوصا عندما تبين انه ادى الى التشكيك ولو في السر، بأدوار أعضاء فريقها وما قام به بالتعاون مع فريق من المسؤولين اللبنانيين والمستشارين الذي تورطوا عندما ذهبوا بعيدا بقبولهم ان يطلع فريق المؤسسة على بعض المعطيات والأرقام التي لا علاقة لها بالسندات الدولية وحسب، بل ذهبت الى حيث يستدعي الشك في المهمة وسلوكية فريقها الى درجة اتهمها البعض بالعمل لصالح صندوق النقد بعدما سربت اليه المعطيات والارقام الدقيقة، وربما ابعد من ذلك فقد باتت داتا المعلومات بتصرف المؤسسات والأشخاص مالكي “أسهم اليوروبوندز” ما يهدد قدرة الجانب اللبناني على التفاوض معهم، محليين واجانب، من موقع القوة.

ويستند من يوجه هذه الاتهامات الى المؤسسة الى مؤشرات عدة انتهت اليها خدماتها الإستشارية، فهي تدخلت في تقدير الخسائر في القطاع في شكل برز تناغمها مع صندوق النقد الدولي في تقييمه القاسي لحجمها. وهي عملية خرجت عن مضمون العقد الموقع معها وهي التي وضعت حصيلة عملياتها بتصرف الصندوق وهو امر، وان بقي سريا ومحصورا ببعض المواقع المالية والمصرفية اللبنانية وعلى نطاق ضيق للغاية، إلا ان ذلك لم يدم طويلا عندما تبينت النتيجة السلبية التي جعلت الفريق اللبناني المفاوض مع بعثة صندوق النقد في موقع ضعيف ومحرج للغاية. وهو ما انعكس خلافا مستمرا لا يزال قائما حول تقييم حجم الخسائر والتي بقيت دون مستوى تقديرات الصندوق او فاقته في الوقت عينه.

وفي المعلومات ان المهمة الغامضة التي قادتها “لازارد” هي التي جعلت ارقام الصندوق عند تقييمه للخسائر تصل الى 171 تريليون ليرة لبنانية، وهو رقم وان بقي دون حجم التقديرات التي قدمها فريق رئيس الحكومة عبر مستشاريه ومعهم المدير العام لوزارة المالية المستقيل الان بيفاني بحوالى 241 تريليون من الليرات اللبنانية في ما بقيت الارقام حسب تقديرات مصرف لبنان وجمعية المصارف التي بلغت والى 108 تريليون وبفوارق كبيرة للغاية عن ارقام فريق رئيس الحكومة والتي بلغت تقريبا 134 تريليون ليرة فبات رقم صندوق النقد في منزلة بين المنزلتين.

وعليه تننتهي المراجع المالية المحايدة الى القول، ان الدعوة لفريق “لازارد” قد وجهت من الجانبين في وقت واحد. فالحكومة اللبنانية التي قررت العودة عن تقريرها السابق في تقدير الخسائر وقبلت بالتفاوض حولها على اساس انها ليست “منزلة” تشكل خطوة تراجعت من خلالها امام اصرار حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف عن ارقامهم من دون ان يمانع صندوق النقد عملية اعادة النظر بها. فما يهم الصندوق ان يوحد الجانب اللبناني ارقامه لتنطلق المفاوضات الجدية في وقت يريده قريبا بالرغم من حجم المصاعب التي يمكن ان توفر آلية او مخرجا لاستئنافها تحت هذه العناوين ما لم يختر الجانب اللبناني مواضيع جديدة للمفاوضات مع الصندوق وهو ما ستكشفه الايام المقبلة ان صحت الرواية التي تقول انها تنوي عقد حوار حول مصير موازنة العام 2020 التي انهارت بكامل مقوماتها امام حجم الأزمة النقدية وتداعياتها وترددات جائحة الكورونا والتطورات التي لحقت بانهيار سعر الصرف التي جعلت ارقامها وهمية و”سخيفة” الى حد بعيد، ما لم تتوفر لها صفة أخرى لا تليق بمن انجزها…تختم المصادر.