عبّرت “الجمعية الثقافية الرومية” عن “شديد أسفها للقرار الذي اتخَذته الحكومة التركية بتحويلِ كاتدرائية أجيا صوفيا في القسطنطينية مجدَّداً الى مسجدٍ إسلامي، عن غير وجهِ حقّ، في مدينة تزدحمُ بالمساجد ولا تفتقرُ الى مراكز عبادةٍ إسلامية لسكانِها.
واعتبرت، في بيان، “القرارَ التركيَّ خطأً كبيراً وخطيئةً ثلاثيةَ الأبعاد تستوجبُ الرفضَ المطلق، لأنها خطيئةٌ بحقِّ تركيا ذاتِها التي يُظَهِّرُها هذا القرارُ دولةً متزمِّتة يحكمُها التعصُّبُ الدينيّ والعرقيّ، وتدفعُ بصراع الحضارات والثقافات الدينيّة قُدُماً، فلا تراعي وجودَ الأقليات فيها ولا تحترمُ تاريخَ شعبِها العريق”.
وأضافت: “فدولةُ تركيا كانت تضمُّ أقلياتٍ دينيةً كبيرةً وشعوباً مختلفة، وكانت لهذه الأقليات والشعوبِ حضاراتُها وتراثُها. والدراسات الجينية العديدةُ تؤكِّدُ أنَّ “الأتراك” الحاليين هم في الحقيقة شعوبُ الأناضول الطاعنة في القدم، وليسوا، الاّ في نسبة لا تتعدّى العشرين بالمئة، من العرق التركي. تلك الشعوب كانت تدينُ بالمسيحية وكانت تنتمي للحضارة الروميّة، وكانت كنيسة أجيا صوفيا كاتدرائيتَهم العظمى ورمزَ حضارتهم وقبلةَ ثقافتِهم. لذلك، يُعد قرار الحكومة التركية بتحويلِ آجيا صوفيا الى مسجدٍ خطيئةً كبرى بحقِّ الذاكرة التاريخية لهذا الشعب العريق، كما بحقِّ هذا التراث الغنيِّ التنوع”.
وتابعت: “ثانياً، هي خطيئةٌ بحقِّ العلاقات الإسلامية المسيحية التي ينادي بها عقلاءُ الديانتَين والتي تقضي بالتآخي والتسامح والاحترام المتبادل والتعايش السلمي. وإذْ يعتبرُ المسيحيون، وبالأخص الأرثوذكسيون الذين هم على تماسٍّ جغرافيٍّ وإنسانيٍّ مباشر وتاريخيّ مع المسلمين في المشرق وشمال أفريقيا وأوروبا الشرقية، آجيا صوفيا تحفتَهم الدينيةَ الكبرى ورمزَ وجودِهم وخُلاصةَ تاريخهم، فإنَّ تحويلَها الى مسجدٍ يطعنُ عميقاً بإيمانِهم بسلمية هذه العلاقات الإسلامية المسيحية، وقد يسبِّبُ حالاً من الشكِّ والرفض، بل ومن الكراهية، ويهدِّدُ، على المدى الأوسط والبعيد، كلَّ دعوةٍ للتسامح والتعايش بل وللمحبة المتبدالة. كيفَ يريدُ اولياء القرار في تركيا أنْ يقبلَ به المسيحيون؟ هل يقبلُ اولياء القرار في تركيا بأنْ يستولي اليهودُ على المسجد الأقصى ويحوِّلوه الى كنيسٍ يهوديٍّ؟ لو قُدِّرَ للمسيحيين، مثلاً، أن يحكموا مصر، فهل يقبلُ اولياء القرار في تركيا أن يحوِّلَ هؤلاء جامعَ الأزهر الى كنيسة؟ لو قُدِّرَ للهندوس أو للبوذيين، يوماً، أن يصلوا الى الحجاز، هل يقبلُ اولياء القرار في تركيا أن يُحوِّلَ هؤلاء المسجدَ النبويَّ الى معبدٍ هندوسيٍّ أو بوذيّ”؟
وأردفت قائلةً: “هي خطيئةٌ بحقِّ الثقافة العالمية وحوار الحضارات. فمنظمة اليونسكو اعتبرت كنيسةَ آجيا صوفيا معلماً ثقافياً كبيراً يعودُ في تاريخِه الى القرون المسيحية الأولى، وكانَ رمزَ الحضارة الرومية لأكثرِ من ألف عام. كانت القسطنطينية عاصمةَ الحضارة الروميّة، وكانت آجيا صوفيا الرمزَ الدينيَّ لهذه الحضارة. فهل يقبل من يحترمُ الثقافةَ ويُثمِّنُ قيمتَها ويؤمنُ بحوار الحضارات أن تُغيَّبَ الحضارةُ الروميّةُ العريقة، حضارةُ البحر الأبيض المتوسط، وحضارةُ أوروبا الشرقية والشرق الأدنى، وأنْ يُطمسَ معلمُها ورمزُها الدينيُّ الرئيسُ، بعد ان حُرِمَ أبناؤها من ممارسةِ طقوسِهم الدينية فيه”؟
لهذه الأسباب، أدانت الجمعية “بشدَّةٍ قرارَ تغيير هوية آجيا صوفيا”، لافتةً إلى “النتائجِ الخطيرة التي تترتَّبُ على هذا القرارِ”، معتبرةً أنه “لقد كان الأحرى بدولةٍ عصريةٍ مسالمةٍ متعدِّدةِ الحضارات مؤمنةٍ بحوار الأديان والثقافات راغبةٍ باستقطابِ جيرانِها المنتمين اليه تاريخياً وثقافياً ودينياً وآملةٍ بالدخول الى الاتحاد الأوروبي أن تعيدَ الى هذا المتحفِ صفتَه ككنيسةٍ مسيحيةٍ أرثوذكسية، لتتآخى قببُها مع مآذن المساجد العديدةِ المحيطة بها، وأن تعودَ قبلةً للمسيحيين يأتون إليها مؤمنين بأنَّ الدولةَ التركيةَ العصريةَ هي مركزٌ حضاريٌّ عريقٌ ومعلمٌ من معالم الحوار الإسلامي المسيحيّ وموئلُ التسامح والتعايش السلميّ”.