كتبت هديل فرفور في “الاخبار”:
من بين الموظفين الـ623 الذين صرفتهم الجامعة الأميركية في بيروت، الجمعة الماضي، شهود على الفواتير الخيالية التي كانت تجبيها إدارة الجامعة من «زبائنها» الطُّلاب والمرضى.
هؤلاء، كانوا يُدركون أن ما يتقاضونه يكاد لا يُذكر مقارنة بهذه الفواتير وبرواتب كبار الإداريين التي لا تقلّ عن نصف مليون دولار سنوياً. لكنّ «الطمعة» كانت بـ«الأمان الوظيفي». يقول أحد المصروفين: «كنا مطمئنين إلى أننا نعمل في مؤسسة عريقة وثرية، وبغضّ النظر عن تدني الراتب بسبب التقديمات المرافقة له من طبابة وتعليم. كنا نشعر بأنه لو جار الزمان، فالجامعة ستصمد وسنصمد معها في أسوأ الأحوال» لكن يضيف الرجل الذي يعاني من السرطان وكان يعمل مُساعدَ ممرض: «لم نكن نعلم أن الزمن سيجور علينا إلى هذا الحدّ».
كثيرون لم يتمكّنوا من حبس دموعهم، في باحة المستشفى نهار الجمعة، عندما وزع رئيس الجامعة فضلو خوري «بيان الإعدام»، كما يصفه رئيس نقابة العمال والمُستخدمين في الجامعة جورج الجردي، لافتاً إلى أن توقيت الصرف في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الراهنة، «يعني رمي مئات العائلات في المجهول، علماً بأن الراتب الشهري لكثير من المصروفين لا يتجاوز الـ700 ألف ليرة». وهؤلاء من بينهم «مرضى سرطان وحوامل ومعيلون لأهاليهم العجزة وموظفون خدموا سنوات طوالاً وفي سنّ لا تسمح لهم بإيجاد بديل في الأيام العادية، فكيف في ظل الظروف الراهنة؟».
قرار الصرف، ورغم أنه يرقى إلى أن يكون «مجزرة» حقيقية، إلا أنه جاء «أقلّ إجراماً» مما كانت الإدارة تنوي الإقدام عليه، إذ أن عدد الضحايا كان مقرّراً أن يصل إلى 2000 موظف، قبل أن تستقرّ المُفاوضات بين الإدارة والنقابة على 623 موظفاً سينالون تعويضاً يُراوح بين ستة أشهر و24 شهراً، بحسب سنوات الخدمة. وفي وقت تتذرّع الإدارة بفارق سعر الدولار كواحد من مبررات الصرف، فإن ليس بين الموظفين المصروفين، بحسب معلومات «الأخبار»، أي موظف يتقاضى راتباً بالعملة الأميركية.
وفي وقت يتردّد أن الإدارة في صدد الإعلان عن موجة صرف ثانية، يؤكد الجردي أن «قرار التحكيم لحظ تعهد الجامعة بعدم تكرار موجة الصرف. وهذا قرار مبرم لا يمكن الإخلال به»، مشيراً إلى أن النقابة «انتزعت من الإدارة الحصول على مساعدات مدرسية للمصروفين للعام الدراسي المقبل، كما تمكنت من إقرار حق الموظفين الذين عملوا في الجامعة لأكثر من 15 عاماً بالحصول على خدمات الطبابة لمدى الحياة، كما أن كل مصروف بين الـ59 والـ 65 عاماً، سيبقى أولاده يستفيدون من التقديمات المدرسية. وفي ما يتعلق بالمصروفين من مرضى السرطان والحوامل، فستعمل الإدارة على مراجعة ملفاتهم الطبية وتنوي إعادتهم إلى العمل». غير أن هذه الإجراءات تبدو أشبه بـ«القتل الرحيم»، ولا تقلل من فظاعة «مذبحة الصرف» تحت إدارة فضلو خوري والتي لم تشهد الجامعة سابقة لها. ولعل الأخطر أن هذا الإجراء قابل للتعميم على مؤسسات أصغر من الجامعة. وعليه، فإنّ طريقة التعامل معه سيُبنى عليها في الحالات المُشابهة المتوقّع حدوثها في ظلّ الظروف الراهنة.