رأى رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة أن “الكلام الذي أدلى به البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي هام جدا، لاسيما أنه وضع إصبعه على مشكلة أساسية تكاد تكون المشكلة الأولى في لبنان، وذلك بأن دويلة “حزب الله” تضع يدها وتطبق على الدولة اللبنانية، مع ما لذلك من تداعيات وانعكاسات على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي ومعيشي وأمني. وبالتالي، فقد طالب البطريرك بفك الحصار عن الشرعية اللبنانية وطالب أيضا بتحييد لبنان عن سياسات المحاور والصراعات الموجودة في المنطقة وفي العالم. علما أن هذا الموقف لا يعني على الإطلاق أن يتخلى لبنان الذي هو بلد عربي الهوية والانتماء، عن التزاماته العربية تجاه القضية الفلسطينية. والأمر الثالث، بأنه طالب بتطبيق القرارات الدولية، لا سيما تلك التي تعني لبنان، وهي القرارات 1559، 1680، 1701 و1757″.
وأكد، في حديث لقناة “الحدث”، أن “موقف البطريرك هذا هو الذي حرك المياه الراكدة، ولفت انتباه الجميع إلى جوهر المشكلة التي تعصف بلبنان وتتسبب بتعميق ومفاقمة مشكلاته الاقتصادية والمالية، وذلك عندما سلط الضوء على ضرورة فك الحصار على الدولة اللبنانية وطالب بتحييد لبنان وتطبيق القرارات الدولية. وذلك على عكس ما يزال يحاول العهد والحكومة اللبنانية وبضغط من “حزب الله” أن يحرفا أنظار اللبنانيين واهتماماتهم إلى غير ذلك ويدفعانهم إلى أن يغوصوا في متاهات ظواهر المشكلات وبالتالي إنكار حقيقة وجوهر أسبابها. من هنا تتبين حقيقة المشكلة التي تتعلق بموضوع حزب الله”. وقال: “هناك من جانب آخر المشكلة الثانية، وهي أن هناك استعصاء قديما موجودا في لبنان كان يحول وما يزال يمنع القيام بالإصلاحات اللازمة التي تحتاجها البلاد في المجالات المالية والنقدية والقطاعية وأيضا الإدارية، ناهيك عن المشكلات السياسية التي أصبح يرزح لبنان تحت تأثيراتها السلبية، وذلك بسبب الاختلالات الكبيرة في التوازنات الداخلية وكذلك الاختلالات في التوازنات الخارجية أي بما يتعلق بسياسة لبنان الخارجية”.
واعتبر أن “كلام البطريرك يحظى بموافقة وتأييد قطاع عريض جدا من اللبنانيين. والبطريرك بذات الوقت يحض على إجراء الإصلاحات التي يحتاجها لبنان من أجل تصحيح أوضاعه الاقتصادية والمالية والمعيشية، وكذلك يؤدي إلى تصويب الخلل الكبير في أوضاعه الداخلية وفي سياساته الخارجية. إن موقف البطريرك يلقى تأييدا كبيرا من أشقاء وأصدقاء لبنان. لأن هؤلاء الأشقاء والأصدقاء يرون بأم العين كيف أن هذه الاختلالات التي طرأت على لبنان قد أدت إلى استحكام تلك المشكلات به وباللبنانيين واستمرار استعصائها على الحل من خلال عدم المباشرة بإجراء الإصلاحات المطلوبة، وهي التي ينبغي أن يصار اليوم قبل الغد إلى البدء في معالجتها”.
وأضاف: “أما في موضوع “حزب الله”، فإن الأمر يتعلق بهذه القبضة الحديدية التي يمارسها الحزب على الدولة اللبنانية ويمنع عنها إمكانية التملص من قبضته، ويتلاعب بالتالي بفكرة العيش المشترك من طريق التلاعب وزيادة حدة الغرائز والعصبيات الطائفية والمذهبية. وهو يصيب بعمله هذا بشظاياه فكرة الديموقراطية والحريات في لبنان. وهي المبادئ والقيم التي جهد اللبنانيون لتأكيد هذه المبادئ التي تميزه في محيطه وفي العالم”، مشيرًا الى أن “المطلوب هو استعادة الشرعية والدولة اللبنانية من حالة الحصار والاختطاف اللذان تعانيان منه. ولقد عبرنا عن ذلك نحن في هذه المنصة السياسية التي تمثلها لجنة متابعة إعلان الأزهر والحريصة على فكرة المواطنة، وهي التي أسهمت في مؤتمر أبو ظبي الذي ترأسه قداسة البابا وشيخ الجامع الأزهر والذي صدرت عنه “وثيقة الأخوة الإنسانية”. لقد طالبت هذه اللجنة في اجتماعاتها مع القادة الروحيين بأن يصار الى الدعوة الى حوار حول المسائل السياسية الأساسية بين اللبنانيين للتوصل الى قناعة مشتركة للتوصل الى إيجاد حلول تؤدي إلى إنقاذ لبنان”.
وأوضح أن “هذه ليست دعوة من أجل الصدام مع حزب الله او مع فئة من اللبنانيين أو لإحداث فتنة في ما بينهم. على العكس من ذلك. الصحيح أن الجميع بدأ يشعر بحجم الورطة التي أصبح لبنان في أتونها، والتي يتسبب بها “حزب الله”، لاسيما أن الحزب يجاهر، وكما يقول الامين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، أنهم يتبعون لإيران ولولاية الفقيه، وأن كل عملهم وتعليماتهم وأوامرهم وكل تمويلهم يأتي من إيران. من الطبيعي، أن هذا الأمر أدى ويؤدي إلى تفجر مشكلات ومصاعب وعلى أكثر من صعيد في وجه لبنان داخليا وخارجيا في محيطه العربي والعالم. بالإضافة إلى تلك المشكلات، فقد طرأت على لبنان اختلالات كبيرة أخرى، لا سيما خلال السنوات العشر الماضية، وذلك في أوضاعه الاقتصادية والنقدية والمالية وفي المسائل المتعلقة بالعجز في ميزان المدفوعات، وكذلك الخلل الكبير الذي جرى بالنسبة لحجم الدين العام بالمقارنة مع الناتج المحلي. هذه المشكلات تراكمت وتعاظمت وتفاعلت مع المشكلات السياسية التي ذكرتها لك، وأصبح الأمر كارثيا يحتاج إلى حلول سريعة وجذرية. إن ما نطالب به ويطالب غبطة البطرك، وكذلك اللبنانيون يتعلق بفك الحصار عن الشرعية، وتحييد لبنان عن سياسات المحاور والصراعات وتطبيق القرارات الدولية”.
وعما اذا كانت الحكومة قادرة ومستعدة للاصلاح وتحقيق الحياد، قال: “الحكومة اللبنانية الحالية عمليا هي حكومة حزب الله. وقد مر على وجودها أكثر من 5 أشهر وهي حتى الآن وبكل تصرفاتها تبين مدى الارتباك الشديد الذي تعاني منه وتبين مدى فقدان الرؤية الحكيمة والمتبصرة لديها. وكذلك افتقارها لوجود الإرادة والقدرة على اتخاذ القرار. وبالتالي هي لم تقم حتى الآن بأي إصلاح ولو بسيط حتى تستطيع أن تقنع اللبنانيين والمجتمعين العربي والدولي بأنها على الأقل جادة في سلوك طريق الإصلاح. ولأعطي أمثلة سريعة عن ذلك، فهي لم تقم بأي خطوة باتجاه إثبات عزمها وإرادتها في الموضوع المتعلق باستقلالية القضاء، ولا أيضا بالموضوع المتعلق ببسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، لاسيما على المعابر غير الشرعية التي يعبر منها التهريب من لبنان وإليه والتأثيرات السلبية لذلك على موارد الخزينة للدولة اللبنانية، ولا أيضا في معالجة المشكلات القطاعية في الاقتصاد اللبناني، لاسيما في قطاع الكهرباء الذي أصبح مسؤولا عن أكثر من خمسين بالمائة من حجم دين الدولة اللبنانية، ولا أيضا بإعادة الاعتبار لمعايير الجدارة والكفاءة في تحمل المسؤوليات في مؤسسات وإدارات الدولة اللبنانية في إعطائها الى أكفائها”.
وشدد على أن “كل هذه الأمور و غيرها لم تستطع هذه الحكومة القيام بأي إصلاح بشأنه. بل على العكس من ذلك، فإنها فشلت حتى الآن في معالجة موضوع الحوار والمناقشات مع صندوق النقد الدولي. تجدر الإشارة هنا أن حزب الله، وعلى مدى عدة أشهر حظر على الحكومة اللبنانية أن تبدأ النقاش والحوار مع الصندوق. ثم أتاح لها ذلك بعد تأخير طويل، ولكن قيدها بكثير من الأمور والقيود، وهي لذلك لم تستطع حتى الآن أن تصل الى توافق مع الصندوق على الأرقام، وكذلك لم تتقدم باتجاه تحقيق أي مطلب إصلاحي حتى الآن تقنع اللبنانيين أو تقنع الصندوق بأنها حادة في التقدم على طريق الإصلاح. هذه الأمور تبين أن هناك استحالة لدى الحكومة أن تحل هذه المشكلات الكبرى، والتي وللأمانة لم تكن هي التي تسببت بها، لكنها وبحكم الدستور، قد أصبحت هي المسؤولة عن إيجاد الحلول الصحيحة لها. وهي بتلكؤها وقلة درايتها قد أصبحت مسؤولة أيضا عن تفاقمها. لكن المشكلة ليست فقط عند هذه الحكومة، بل هي أيضا عند فخامة الرئيس (رئيس الجمهورية العماد ميشال عون) الذي هو بذاته يستعصي على أي عملية إصلاحية من تلك التي ذكرتها لك وأيضا هناك مشكلات تتعلق بموضوع حزب الله”.
وختم: “لبنان يستحق أن يساعد من قبل أشقائه وأصدقائه، وهو الذي جرى تحميله ما لا طاقة له به في ما خص الصراع العربي – الإسرائيلي، مضافا إليها تحمل أعباء مشكلات النازحين الفلسطينيين والسوريين إليه، وهؤلاء الأشقاء والأصدقاء دون شك لطالما وقفوا إلى جانبه وهو يحتاجهم اليوم أكثر من أي وقت مضى. ولكن علينا أيضا أن نضع أنفسنا مكان هؤلاء الأشقاء والأصدقاء الذي ما فتئوا يذكرون المسؤولين اللبنانيين، وعلى مدى أكثر من عشر سنوات، بأنه لم يعد بالإمكان الاستمرار بتلك الممارسات والتصرفات للحكومات والسياسيين اللبنانيين وخضوعهم لسلطة حزب الله، كذلك بسبب استمرار عدم تبصرهم وعدم مباشرتهم في اعتماد الحلول الصحيحة من جهة، وإصرار الحزب المسلح على تهديد أمنهم واستقرارهم وسيادتهم. لذلك، لم يعد من الممكن الاستمرار في هذا الدلع وهذا الانكفاء وهذا الارتباك وهذا الاستعصاء عن القيام بالإصلاحات. لقد آن للبنان ان يبادر الى القيام بتلك الإصلاحات. إن هذه ليست شروطا يضعها الأصدقاء والأشقاء على لبنان، لكن هي فعلا ما يحتاجه لبنان، والتي هي بالفعل ناتجة عن سوء التقدير وسوء التدبير الذي تتسم به الإدارة الحكومية اللبنانية والمجالس النيابية اللبنانية والمجتمع السياسي اللبناني”.