كتب عمّار نعمة في صحيفة “اللواء”:
لا يُبَح صوت فاطمة أحمد المصري من رجاء الله والمسؤولين النظر إلى قضيتها وغيرها من مصروفي مستشفى الجامعة الأميركية، من دون جدوى سوى من أمل غريزي كان جميع معتصمي المركز الطبي للجامعة يعلمون صعوبته.
أكثر من 800 مصروف سيتبعهم عدد مقارب ليستقر على 1600 من المستشفى والجامعة، ذهبوا ضحية الأزمة الاقتصادية الكارثية، لكن كثيرين منهم ذهبوا أيضا ضحية مسؤوليهم الطائفيين وقلة حيلتهم وضعف حالهم ليُذبحوا متروكين من أي نصير سياسي.
هم من صغار الموظفين غير الحاصلين على رواتب عالية، لكنها التقديمات التي توفر لهم وتحاول الجامعة التخلص منها. عمال وإداريون وموظفون وممرضون إلتجأوا الى الشارع للتعبير عن صرختهم، وهو ملاذهم اليوم، فقد «قذفتنا الإدارة خارجا بعد سنوات طويلة من التضحيات» كما يقول علي حسين عواضة بمرارة الذي دأب في الاعتصام على حمل لافتة ذات رمزية: عطبوني وحقي سلبوني ومن المستشفى زعبوني.
يعلق عواضة بصمت مرير ردا على سؤال عن باقي المصروفين وسبب عدم تلبيتهم النداء الذي جمع العشرات ولم يرقَ الى العدد المصروف، لكن زميله في العمل وهو ممرض أيضا بدا أكثر صراحة ربما لكونه لم يشأ الإفصاح عن إسمه: لقد غابوا على أمل أن تلجأ الإدارة الى إعادتهم.. هو يبدو بالغ الغاضب مما حصل بعد سبعة سنوات من الخدمة في المستشفى، وهذا حال عواضة أيضا.
أما المصري فقد بلغت أعوامها في العمل 12 عاما، وملأ صراخها المكان، ولجأت مع البعض الى إقفال مدخل المستشفى الذي منع كثيرين من ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى من المرور!
وقد جاءت الدعوة الى الاعتصام من قبل المصروفين والاطباء والعاملين في المستشفى، من المثبتين والمياومين، مع «الإتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين» ومجموعات من الحراك المدني الذين حضر منهم واصف الحركة ونعمت بدر الدين و«لحقي» و«مهنيين ومهنيات» و«ميغافون» وغيرهم، وهم تلقوا زخما كبيرا مع حضور طلاب الجامعة بكثافة الذين أطلقوا العنان لهتافات تندد بشدة برئيس الجامعة فضلو خوري ووصلت الى خريج الجامعة حسان دياب تدعوهما الى الرحيل.
عودة مشهد الساحات
في تلك اللحظة، أعاد المعتصمون مشهد وسط البلاد ومسيرات الشوارع المتنقلة التي زخرت بالشباب والطلاب والطالبات، وقد اتخذت مسيرتهم من الجامعة في اتجاه المستشفى شعارات ذات طابع يساري أشارت إليها بوضوح لافتة كبيرة حملها هؤلاء تحت عنوان «وحدة صف الطبقة العاملة من السودان الى لبنان».
ولم يكن غريبا أن تطلق شعارات تندد بـ«مهزلة التضامن الأكاديمي الزائف»، والدعوات الى تنظيم الطلاب لأنفسهم للقضاء على النظام في موازاة الدعوات الى تنظيم العمال المثبتين والمياومين في وجه قطاع خاص متوحش. من دون نسيان التنديد بمؤازرة «أجهزة القمع البرجوازي: المؤسسات الشرطية والعسكرية». علما أن العناصر العسكرية لم تقترب سوى بتحفظ الى المكان منعاً لاشتباك مع المعتصمين كاد يحصل فعلاً.
كان المشهد هناك مؤسفا، وسط تعاطف المارّة ومرضى الجامعة الذين أطلوا من شرفاتها، من دون أن تكون بيدهم حيلة سوى إبداء التعاطف والوجع على حال الجميع في هذا البلد. فالمصروفين بينهم المريض والمعيل لمن هم مرضى في عائلته أو من هم ببساطة يحتاجون الى الإعالة في وضع غجتماعي كارثي.
يؤكد كاسترو عبد الله الذي حضر عن «الإتحاد الوطني» ان ما حصل يختصر وصفه بـ«المجزرة»، فالمؤسسة «ناجحة وكبيرة وذات إمكانات ولا تُفلس ولديها الممتلكات وتسدد رواتب عالية». الأمر بالنسبة اليه لا يعدو كونه «فشّة خلق بمجموعة من الفقراء يستفيدون من التقديمات، هم شغيلة المليون ومليون ونصف مليون ليرة على الاكثر، ومكمن السخرية أن من طرد هؤلاء يطلب موظفين ولديه شركة إسمها «سامكو» يريد لها بين 400 و500 موظف أو مياوم!».
ولعل الأسف يتمثل في أنها المؤسسة ذات الاستقرار الراسخ والتي توفر «الضمان والتعليم والطبابة، لكنهم سيعودون الى التوظيف مجددا لانهم في حاجة الى عقود مؤقتة خارج الأطر القانونية ومن دون التقديمات الاجتماعية، وهم عرفوا كيفية الاستفادة من الوضع بدلا من الشعور مع الناس في ظل الانهيار الحاصل، فأين الرسالة الإنسانية؟».
مكمن الأسى لدى المعتصمين أن ضحايا الصرف هم ذوي الرواتب المنخفضة بينما تُرك أصحاب الرواتب بمئات آلاف الدولارات سنويا، حسب عبد الله الذي يشير الى أن الامر شمل من أفنى أكتر من 20 الى 25 عاما من عمره هنا، سائلاً «ما الذي كان سيجري لو تم خصم جزء من رواتب أصحاب المعاشات الكبيرة، هل كنا وصلنا الى هذا الوضع؟».
كثُر الحديث عن تدخل بعض المرجعيات السياسية لتخفيض عدد المصروفين، لكن ذلك لم يحل دون صرف الكثيرين بين 650 من المسرحين و200 لم تُجدد عقودهم، ويشدد عبد الله على «أننا سنواجه هذا الأمور خاصة وأن موجة جديدة للصرف مقبلة في ظل استنسابية ووسط غياب المعايير».
أين المعنيين؟
وفي ظل كل ذلك، برزت أسئلة عن دور الدولة والنقابات المعنية والغائب الأكبر منذ سنوات «الإتحاد العمالي العام».. ويقول عبد الله «إننا دعونا النقابة في الجامعة الى رفض الصرف وللأسف سجلوا هذا الأمر في الوزارة». ويلفت الى «أننا سنتوجه نحو الهيئات المختصة من وزارة العمل ومنظمة العمل الدولية ولجنة حقوق الانسان»، لافتا النظر الى التراخي الذي حصل سابقا مع عمليات صرف مشابهة «والذي ندفع ثمنه اليوم».
ويشير الى ان اجتماعا سيعقد في الساعة 12 قبل ظهر اليوم في مقر «الاتحاد الوطني» لعدد من المحامين المتطوعين ولهيئات مهتمة لاتخاذ الإجراءات والتدابير التي تساعد هؤلاء العمال.
ويأتي كل ذلك في ظل موقف مسؤول من قبل الحراك الشعبي رغم الصّد الذي يتعرض له من الظروف المحيطة، لكن قضايا كصرف الموظفين هي التي تعيد إحياء مجموعات الحراك وسط تخلي أركان الطبقة السياسية الطائفية عن المصروفين، لإعادة الزخم من جديد لانتفاضة لا زالت في بدايتها.