Site icon IMLebanon

البطريركية المارونية تجهز لحوار وطني حول حياد لبنان

كتبت كارولين عاكوم في صحيفة “الشرق الاوسط”:

لا تزال دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى حياد لبنان تأخذ حيزاً أساسياً من الاهتمام، فيما مصير طرحها يبقى مجهولاً في ظل استمرار الانقسام بشأنها على حاله، رغم أن البطريركية المارونية بدأت الإعداد لوثيقة حولها لتكون منطلقاً لحوار وطني موسع.

وفيما تتجه الأنظار إلى ما ستنتجه زيارة الراعي إلى الفاتيكان، جدد البطريرك موقفه الاثنبن، بقوله إن «دخولنا في أحلاف سبب لنا عزلة تامة والحياد وحده مصدر الاستقرار». وقال خلال لقائه وفداً من حزب «الكتائب اللبنانية» إن «نظام الحياد أكبر ترجمة للكلام الوارد في مقدمة الدستور الذي يقول: لبنان وطن نهائي لكل أبنائه».

وأضاف أن «دخولنا في أحلاف سبب لنا عزلة تامة والحياد وحده مصدر الاستقرار والازدهار ونظام الحياد الفاعل والناشط يعيد للبنان دور الجسر بين الشرق والغرب». وأردف: «لم نخترع شيئاً جديداً. هذا تاريخنا وهذه ثقافتنا وحضارتنا وقد عشناها أربعين سنة، لبنان يعتمد الحياد ويلتزم القضايا العامة والسلام وحقوق الإنسان وثقافة الحوار والحضارات».

ومع مواقف الراعي المتكررة عن موضوع الحياد منذ الخامس من يوليو (تموز) الحالي، قالت مصادر البطريركية المارونية لـ«الشرق الأوسط»، إنها تعمل على وثيقة حول دعوة الراعي الأخيرة لحياد لبنان على أن تكون منطلقاً لحوار وطني موسع لمناقشتها، مع تأكيدها أن «هذه المهمة لا تقع فقط على الراعي، إنما المسؤولية الأولى هي على المسؤولين والحكومة لتلقّف الدعوة والعمل عليها أيضاً كل وفق موقعه».

وعن موقف «حزب الله» الذي يعتبر المعني المباشر بدعوة الراعي، وعما إذا كان هناك تواصل معه، أم لا، تلفت المصادر إلى أن التواصل غير مباشر كما أنه لم يصل بكركي حتى الساعة موقف من قبله على دعوة الراعي.

وفيما من المفترض أن يزور الراعي الفاتيكان في الأيام المقبلة، أكدت المصادر أن موضوع الحياد سيكون حاضراً في لقاءاته كما في اتصالاته مع دول عدة، وتحديداً تلك التي أبدت تجاوباً مع دعوته، وعلى رأسها فرنسا، مذكرة بموقف المجتمع الدولي الداعي إلى ضرورة أن يساعد لبنان نفسه كي يساعده الآخرون.

لكن في المقابل، تقول مصادر مطلعة على موقف رئاسة الجمهورية إن العمل على هذا الطرح «ليس أولوية» في الوقت الراهن، معتبرة أن «هموم الناس الاجتماعية والأزمة الاقتصادية والمالية التي يمر بها لبنان تبقى هي الأهم». ونفت علمها بأي خطة يتم العمل عليها.

وقالت مصادر الرئاسة لـ«الشرق الأوسط»: «لا نعلم ماذا لدى البطريرك، إنما وفق المعطيات ليست هناك خريطة طريق إنما توصيفات لموضوع الحياد في غياب أي آلية، إضافة إلى أن الراعي يقول إنه يريد أن يتشاور بشأنها مع الأطراف». وأكد أن «الموضوع ليس مطروحاً الآن والأولوية هي لمعالجة الموضوع الاقتصادي – المالي والاجتماعي الذي يهم الناس في المرحلة الراهنة مع تزايد المآسي اليومية».

ومع استمرار المواقف حول دعوة الراعي، رأى رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة أن الراعي «وضع إصبعه على مشكلة أساسية تكاد تكون المشكلة الأولى في لبنان، وذلك أن دويلة (حزب الله) تضع يدها وتطبق على الدولة اللبنانية، مع ما لذلك من تداعيات وانعكاسات على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي ومعيشي وأمني».

ورأى أن كلام البطريرك «حرك المياه الراكدة، ولفت انتباه الجميع إلى جوهر المشكلة التي تعصف بلبنان عندما سلط الضوء على ضرورة فك الحصار على الدولة وتحييد لبنان وتطبيق القرارات الدولية، عكس ما يزال يحاول العهد والحكومة اللبنانية وبضغط من حزب الله أن يحرفا أنظار اللبنانيين واهتماماتهم عنه».

ورأت الوزيرة السابقة مي شدياق أن الكلام «لامس مسائل على جانب كبير من الدقة والحساسية، وتعني حزب الله مباشرة وإن من دون تسميته، ووضعت النقاط على الحروف». وقالت شدياق خلال لقاء سياسي: «لا يبدو أن واشنطن ستتراجع عن المواجهة المفتوحة مع إيران إلا بعد إبعاد النفوذ الإيراني عن ساحل المتوسط، وترجمة ذلك في لبنان تكون بطبيعة الحال من خلال الضغط على حزب الله، إذن، سيكون لبنان أسوة بسوريا تحت المجهر لفرض عقوبات عليه وفق قانون قيصر… حزب الله يدرك هذا الواقع ويعتبر أن الأزمة لا تزال في بداياتها».

واعتبر «لقاء سيدة الجبل» أن ردود رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره الوزير السابق جبران باسيل على الحياد «هي تعبير فصيح عن ارتهان الدولة للمحور الإيراني»، مشيراً إلى أن «أهمية دعوة الراعي للحياد تكمن في أن لا حلول للأزمة المالية إلا من خلال الحلول السياسية».

لكن في المقابل، وفيما لا يزال الصمت سيد الموقف من قبل «الثنائي الشيعي» حيال دعوة الراعي، قال النائب ميشال موسى، من «كتلة التنمية والتحرير» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، في حديث إذاعي، إن «موضوعاً كالحياد يحتاج إلى نقاش معمق وإلى توافق بين المكونات اللبنانية، ويجب توضيح الأمور بين الأفرقاء، وهو أمر يأخذ وقتاً لأنه نقطة مهمة في السياسات العامة في البلد». وأضاف أن «لبنان في منطقة صاخبة بالحروب والصراعات وبحاجة إلى تحصين ساحته الداخلية في ظل العواصف الهوجاء».