Site icon IMLebanon

%70 من إشارات السير معطّلة منذ ثلاثة أشهر!

كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:

هي أكثر من إشارات سير صامتة، إنها رمز لسطوة القانون وهيبة الدولة، بأضوائها تعكس صورة واضحة عن الدولة ومواطنيها، فدقة تواتر ألوانها تعبر عن الوجه الحضاري للدولة، واهتمامها بناسها ودقة التزام الناس بها تعكس تمدّنهم واحترامهم لقوانين بلدهم. وإن تعطلت الإشارات تعطلت معها حركة السير وغاب القانون وضاع المواطن وضاعت معه الدولة.

منذ أشهر ثلاثة وإشارات السير غائبة عن معظم تقاطعات بيروت الكبرى تاركة السائقين والمشاة تائهين مربكين يتخبطون في غابة لا حسيب فيها ولا رقيب تحت رحمة حوادث قد تكون في بعض الأحيان قاتلة. فما سر غياب الإشارات ومن المسؤول عنه؟ ولماذا يتمّ تقاذف التهم والصلاحيات بين بلدية بيروت وهيئة إدارة السير؟ والأدهى الى متى يستمر المواطن في دفع ثمن تقاعس المسؤولين عن القيام بواجباتهم مع ارتفاع مخيف في أعداد حوادث السير اليومية؟

قصة الإشارات من ألفها الى يائها

من يمر على اوتوستراد الجديدة يجد نفسه عند تقاطع الاتحاد وسط كتلة متشابكة من السيارات لا تعرف يمينها من يسارها، ولا يدرك العالق فيها متى يتوقف أو يسير أو يلتف وكل ذلك وسط حفلة من الشتائم والصراخ يتبادلها السائقون في ما بينهم، وكأنهم غافلون ان المتهم الوحيد في هذه الفوضى هي الإشارة المعطلة ومن يشغلها. هو سؤال لا شك أنه محيّر: وينيي الدولة؟؟؟؟ كيف تترك معظم الإشارات معطلة وهي تدرك تمام الإدراك أنها تعرّض بذلك حياة مواطنيها، سائقين ومشاة، للخطر.

نحمل أسئلتنا المشروعة الى مديرغرفة التحكم المروري التابعة لهيئة إدارة السير المهندس جان دبغي، علّنا نفهم منه معضلة إشارات السير وعلى من تقع مسؤولية صيانتها. هي قصة طويلة، يخبرنا إياها دبغي من بدايتها. ففي العام 2005 وبتمويل من البنك الدولي أقر مشروع النقل الحضري وتولى إدارته مجلس الإنماء والإعمار حينها، وكانت تشرف عليه شركة إسبانية. في العام 2013 سلم مجلس الإنماء والإعمار إدارة المشروع الى هيئة إدارة السير، وكان يشمل عدادات الوقوف او البارك ميتر وإشارات السير وكاميرات مراقبة الطرقات وغرفة التحكم المروري وتتولى أعمال الصيانة شركة Duncan-Nead. واتُّفق ان تستخدم عائدات البارك ميتر لصيانة الإشارات والكاميرات وتلبية المتطلبات المالية لغرفة التحكم المروري، على أن يعود جزء منها الى البلديات بعد تسديد القرض للبنك الدولي. استمر الأمر كذلك حتى نشوء الخلاف القضائي المعروف العام 2019 بين بلدية بيروت وهيئة إدارة السير حول مردود البارك ميتر، وعدم تلقي البلدية حصتها منه وتوقفت هذه العدادات نتيجة الخلافات وتوقف مردودها، الأمر الذي جعل الأموال غير متوافرة لصيانة الإشارات على الرغم من طلب مساهمات مالية من وزارة الداخلية. إلا أن هيئة إدارة السير وشركة الصيانة أكملا عملهما ولم يلاحظ المواطنون أي خلل يذكر في تشغيل الإشارات حتى انتهاء العقد مع الشركة في نيسان الحالي.

عند تجديد العقد، رست المناقصة من جديد في أواخر نيسان على شركة الصيانة نفسها، لكنها لم تعط الإذن بمباشرة العمل نظراً لعدم وجود اعتمادات للمشروع. وبهذا توقفت كلياً صيانة الإشارات الضوئية وكاميرات الطرقات واللوحات الكبيرة عند مداخل بيروت الثلاثة منذ نيسان الماضي وبدأت الأعطال تظهر تباعاً. سابقاً، يؤكد دبغي، كنا نؤمن صيانة 24/24 وينزل الشباب ليلاً لتصليح أي عطل يطرأ على إشارة ما، سواء كان بسبب الكهرباء او آلية التحكم بها او بسبب الألياف الضوئية، وكنا نجري كشفاً دورياً على كل الإشارات واللوحات والكاميرات الموصولة عبرالألياف الضوئية بغرفة التحكم المروري، التي تتابع ليلاً ونهاراً أحوال الطرق وتُصدر التقارير بذلك. أما اليوم فالغرفة تعمل بـ 30% من قدرتها فقط ولا إمكانية لها لمراقبة حال الطرقات والإشارات.

من الملام عن هذه الخبصة كلها؟ وما هو دور بلدية بيروت والمناطق في التخفيف من حدة هذه المشكلة في ظل تفاقم الفوضى وزيادة اعداد حوادث السير؟ يقول أحد العارفين ان هيئة إدارة السير عملت ما عليها وجددت عقد الصيانة، لكن الاعتمادات لم تتأمن من الوزارات المختصة ولو صرفت لكان العمل استمر وما شعر الناس بأي خلل. أما البلديات من جهتها فتؤكد أن هذا القطاع ليس من ضمن صلاحياتها ولكن قد يكون الحل في جعل كل بلدية تساهم في صيانة الإشارات الواقعة ضمن نطاقها البلدي، وقد عرف أن ثمة مفاوضات تجرى مع بلدية بيروت لتمويل الصيانة ضمن نطاقها كمدينة إنما ليس ضمن بيروت الكبرى.

وتأكيداً على عدم صلاحية البلدية البت في هذه الأمور، يذكر أن مصلحة الهندسة في بلدية بيروت كانت قد أرسلت في 25 حزيران الجاري كتاباً موقعاً من محافظ بيروت القاضي مروان عبود الى مدير عام هيئة إدارة السير والآليات والمركبات، يطلب منها “إصلاح الأعطال ضمن الإشارات الضوئية في مدينة بيروت وإجراء الصيانة اللازمة لها، وذلك لأن لا دور للإدارة البلدية في صيانة او تشغيل هذه الإشارات الضوئية، وإن هذا الأمر منوط بهيئة السير وهو من ضمن المهام الأساسية الموكلة إليها”. ويطلب الكتاب من هيئة السير العمل على إصلاح الأعطال المتزايدة التي تعيق حركة المرور ضمن مدينة بيروت وتشكل خطراً على السلامة العامة.

إشارات تحولت الى ألعاب ضوئية

اليوم ما يقارب 70% من الإشارات معطلة بحسب غرفة التحكم المروري وهي منتشرة على 140 تقاطعاً في بيروت الكبرى. ولكن المضحك المبكي في الأمر ان الإشارات التي تبدو وكأنها تعمل ويتوالى تواتر الألوان فيها، معظمها بات غير مربوط بغرفة التحكم المروري، وبالتالي لا يمكن للغرفة أن تساعد من خلالها على تسهيل حركة السير وتعديل وقت الإشارة بحيث يتناسب مع ضغط السير عند التقاطع. فهذه الإشارات يفترض ان تشكل شبكة متكاملة متصلة بغرفة التحكم المروري وان تتواصل معها كل 5 ثوان، ليتمكن المشغلون في الغرفة من التحكم بها وجعلها فعالة وآمنة. واليوم للاسف الغرفة قادرة على التحكم بـ 30% فقط من الإشارات والكاميرات وهو ما يساعدها على تنظيم السير قدر الإمكان. ويتواصل المهندسون في الغرفة وعددهم أربعة إضافة الى أربعة عناصر من قوى الأمن مع عناصر شرطة السير الموجودين على التقاطعات، من أجل مهمة تسهيل المرور على الطرقات.

وهنا نسأل كما يسأل كل مواطن أين هم عناصر شرطة السير، لمَ لا نراهم على الإشارات المعطلة يساهمون في تسهيل حركة المرور ويخففون فوضى السيارات؟ يجيب دبغي أن لا عناصر كافية في مفارز السير فكل إشارة بحاجة الى عنصرين او ثلاثة وبوجود 210 تقاطعات فإنها تحتاج الى 420 عنصراً، وإذا احتسبنا وجودهم على ثلاث مناوبات تغطي 24 ساعة يصبح العدد 1200 عنصر لا شك أنهم غير متوافرين.

حوادث سير وإشكالات قانونية

بعيداً من تقاذف المسؤوليات في تشغيل إشارات السير، يبقى الخوف من مخاطر تركها معطلة وانعكاساته السلبية على أعداد حوادث السير، هاجس كل مواطن. بدورنا توجهنا الى اليازا لنطلع على رأي الخبراء في السلامة المرورية حول الموضوع وسألنا الدكتور زاهر مسعد أحد مسؤوليها عن دور الإشارات الضوئية في ضبط حركة السير والتخفيف من نسبة الحوادث، فأكد ان وجود الإشارات عند التقاطعات يخفف بنسبة 20 الى 40% من الاصطدامات المرورية، وبالتالي فإن غيابها سيكون سبباً اساسياً في زيادة هذه الحوادث. خلال النهار يؤدي توقف الإشارات الى حوادث سير كثيرة يكون أكثر ضحاياها المشاة وسائقو الدراجات النارية، فيما تكون الأضرارعلى المركبات مادية نتيجة السرعات المنخفضة على الإشارات وعجقة السيرعلى التقاطعات. ومعروف ان 40% من ضحايا حوادث السير في لبنان هم من المشاة ولا شكّ أن هذه النسبة ستزداد نتيجة غياب الإشارات الضوئية. لكن المشكلة الكبرى ستكون ليلاً وذلك لأن الاصطدامات في الليل تكون خطرة جداً نتيجة عاملين: الأول هو السرعة الزائدة التي تجعل سائق المركبة يتفاجأ ولا يستطيع التوقف عند رؤيته لمركبات أخرى تحاول ولوج التقاطع. والسبب الثاني عدم وجود أي إنارة على الطرقات ما يتسبب بحوادث كثيرة عند التقاطعات لا تقتصر على الاضرار المادية، بل غالباً ما تكون نتيجتها للأسف وقوع ضحايا بخاصة بين سائقي المركبات.

لكن خطر توقف الإشارات الضوئية لا يقتصر على حوادث السير بل يطرح إشكالية قانونية كبرى تحتمل اجتهادات كثيرة عند وقوع أي حادث مروري، أو حالة صدم نتيجة الخلاف حول أحقية المرور بين سائقي المركبات. ومن الطبيعي ان يلقي السائقون باللوم على الدولة ولا شك ان هيئة إدارة السير كما بلدية بيروت الواقعين تحت وصاية وزارة الداخلية يتحملان مسؤولية مشتركة، لأن توقف الإشارات ليس ناجماً عن عطل قسري خارج عن إرادة المشغل يمكن ان يتسبب بحادث سير، بل إن الأعطال معروفة وواضحة للعيان ولا يقوم المسؤولون عنها بإصلاحها ما يعني وجود تقاعس يؤدي الى مشاكل قانونية معقدة، حول المسؤوليات في حال حصول حوادث سير وبخاصة عند وقوع ضحايا فيها.

من هنا يطلق السيد زاهر مسعد نداء الى الجهات المعنية لاتخاذ إجراءات مشددة حول هذا الموضوع والبدء بصيانة الإشارات لتعمل من جديد، والعمل على نشر عناصر من شرطة السير على التقاطعات في انتظار البدء بطرح المناقصات.

أرقام مخيفة

تشير إحصاءات غرفة التحكم المروري الى تزايد كبير في عدد حوادث السير في الاشهر الثلاثة الأخيرة على صعيد لبنان ككل وليس فقط في نطاق بيروت الكبرى، وتقدر ان يكون أحد اسباب هذا الارتفاع التوقف القسري لإشارات السير.

ففي شهر نيسان بلغ عدد الحوادث 204 وعدد القتلى فيها 15 فيما عدد الإصابات 271. أما في شهر أيار فارتفع العدد الى 310 حوادث بلغ عدد ضحاياها 36 والجرحى 414. في حزيران كان العدد 356 مع 33 ضحية و479 إصابة. وفي حساب الحوادث المرورية في الأشهر الثلاثة يتبين ان العدد بلغ 870 حادثاً ذهب ضحيتها 84 شخصاً و1164 جريحاً، وهو عدد مخيف ومقلق يدفعنا الى التساؤل حتى متى تبقى طرقاتنا أفخاخاً قاتلة؟