لم يرد حزب الله الدخول في مواجهة مفتوحة مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطر الراعي في شأن قضية استراتيجية من قبيل الضغط في سبيل تكريس حياد لبنان بشكل نهائي، بعدما نجحت الضاحية وحلفاؤها في إبعاد الأضواء عن إعلان بعبدا عقب انخراط حزب الله في معارك سوريا إلى جانب الرئيس بشار الأسد ونظامه. غير أن إرادة تجنب المواجهة هذه لم تمنع الحزب من فتح المعركة في وجه البطريرك الراعي، إلى حد حشر الحليف الرئاسي، الرئيس ميشال عون، في زاوية لا يحسد عليها.
هكذا تقرأ مصادر سياسية عبر “المركزية” المشهد المحلي منذ دخول الكنيسة المارونية بقوة على خط رسم السياسات الخارجية والضغط في سبيل الحياد، بعدما شن هجوما على الرئيس عون من غير أن يسميه، متهما إياه بعدم تهيئة كل ظروف نجاح لقاء بعبدا الحواري، الذي قاطعته المعارضة، وأعاد، من حيث لم يرد منظموه مسألة الحياد والنأي بالنفس إلى صلب الاهتمامات السياسية.
وفي السياق، تلفت المصادر إلى الموقف العالي النبرة من الحياد الذي اتخذه رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، المحسوب في بعض الأوساط على الحزب، يوم الأحد الفائت متهما البطريرك الراعي بإبعاد لبنان عن مساندة القضية الفلسطينية, فما كان من سيد بكركي إلا الرد بعد ساعات في عظة قداس الشبيبة مساء اليوم نفسه من بازيليك سيدة لبنان في حريصا، حيث شرح مجددا مفهوم “الحياد الايجابي” الذي لا يعني التخلي عن القضايا النبيلة المحقة، ذاهبا إلى حد توجيه سهم جديد إلى الضاحية، من باب تجديد التأييد لشباب ثورة 17 تشرين ووضع الحياد أمانة بين أيديهم.
وما بين الموقفين، تذكر المصادر أن لقاء جمع البطريرك الراعي في الديمان مع وفد من التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل، تظهر بعده الاختلاف في المقاربة بين أبناء الصف الواحد، حيث أن باسيل عدد شروطا تعجيزية يعتبر أن تطبيقها ضروري قبل البحث في الحياد، بينها حل قضايا اللاجئين والصراع مع اسرائيل، ما يعني أنه يحاول وضع العصي في دواليب مبادرة الراعي.
غير أن الأهم، على ما تشير إليه المصادر، يكمن في أن كلا من حزب الله والتيار الوطني يبدوان في موقع حشر رئيس الجمهورية في الزاوية. ذلك أن الراعي رمى إلى مد العهد بسترة نجاة تقيه شر السقوط بنيران الغضب الشعبي العارم إزاء الوضع الاقتصادي والمعيشي والسياسي. وتلفت المصادر إلى أن الرئيس عون لم يطلق حتى اللحظة الحوار الموعود حول الاستراتيجية الدفاعية، من باب تفادي الكباش مع حزب الله الذي لا يوافق على أي خطوة من هذا النوع في الوقت الراهن، في مؤشر إلى أن مبادرة الراعي قد تكون المنفذ الأفضل إلى فتح النقاش الجدي في هذا الشأن. وإذا كان الرئيس عون يتجنب بحنكة اليوم فتح السجال مع بكركي للأسباب المعروفة، فإن المصادر تحذر من أن الرئيس عون سيكون في موقع المضطر إلى حسم هذا النزاع بين حلفائه قريبا. فهل يدعو إلى حوار جدي في هذا الشأن كما طالب الراعي، أم يجاري حلفاءه لأسباب سياسية؟