خلال ساعات قليلة، يحط وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان في بيروت.
الحكومة التي باتت تعرف جيدا ما يحمله سيّد الكي دورسيه من رسائل، وفحواها “ساعدونا وباشروا بالاصلاحات سريعا كي نتمكن نحن، كأسرة دولية، من مساعدتكم”، حاولت ان “تتغدى الرجل قبل ان يتعشاها”، كما يقول المثل اللبناني. ففي جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء، بات ما كان مرفوضا حتى الامس القريب، مقبولا. فجأة، رُفع الفيتو عن التعاون مع شركات للتدقيق المالي التي يعمل فيها اسرائيليون، ووافقت الحكومة على التعاقد مع شركة Alvarez & Marsal للتدقيق الجنائي ومع شركتي kpmg وoliver wayman للتدقيق المحاسبي، كما قررت معاينة البضائع على الحدود الزاميًا بالـ scanners.
هاتان الخطوتان المطلوبتان دوليا، تريد السلطة ان تقدّمهما للودريان كإنجازات كبيرة، وهو ما قاله الرئيس حسان دياب امس، لتقطع عليه إمكانية التصويب على تقصيرها في الاصلاحات. لكن فات أهل الحكم ان لودريان – والمجتمع الدولي بأسره- لا يؤخذ بالقشور ولا تعنيه الانجازات الورقية اللفظية ولا تلك المنقوصة أو المسيّسة. بل يريد نتائج ملموسة حقيقية على ارض الواقع، وهي حتى الساعة، معدومة، لا بل إن كل شيء في البلاد يتداعى ويتهاوى، من الوضع النقدي الى الاقتصادي الى الكهربائي مرورا بالتعليمي والاستشفائي، وصولا الى “السيادي”.
مَن سيلتقيهم رأس الدبلوماسية الفرنسية من أهل الحكم، سيحاولون التأكيد له انهم “باشروا فعلا عملية انقاذ لبنان، والتدقيق المالي والاجراءات الحدودية ومشروع الكابيتال كونترول اسطع دليل، لكن انتشال البلاد من الحفرة يحتاج وقتا نظرا الى “الارث الثقيل”. غير ان لودريان سيقول لهؤلاء “برافو” تهكّمية، من دون ان يصرف تصفيقه او يسيّله في مكان، لأنه سيردّ عليهم سريعا، سائلا عن اسباب اقتصار التدقيق مثلا على حسابات مصرف لبنان، فيما مزاريب الهدر الكبرى واكبر مسببات العجز في الخزينة، من الكهرباء الى الاتصالات، متروكة ومنسيّة، حتى ان خطة الكهرباء التي أثبتت فشلها وعقمها، مستمرة، وتقوم على انشاء معامل على اساس توزيع مناطقي طائفي، فيما يرى الخبراء المحليون والدوليون ان لا حاجة لهذا العدد.
هو سيسألهم ايضا، او لنكن أدق – تتابع المصادر – سيدينهم على كيفية تعاطيهم مع الحدود السائبة. فهل السكانرز التي سيتم توزيعها على بعض المعابر من هنا وهنا، ستشمل “أوتوسترادات” التهريب التي يعتمدها حزب الله لتهريب السلاح والمسلحين وايضا المازوت والبنزين والقمح والطحين والدولار، من لبنان الى سوريا؟ كما سيتوقف عند التشكيلات القضائية المتوقفة وعند التعيينات المالية والادارية التي أنجزتها الحكومة على قاعدة محاصصة سياسية واضحة فاقعة نافرة، ليؤكد للممسكين بمقاليد البلاد ان سلوكهم هذا لا يشجّع أحدا على مساعدة لبنان، سيما اذا أضيف الى عجزهم عن الاتفاق على خطة اقتصادية واحدة يقدّمونها الى صندوق النقد الدولي، والى انجرارهم دونما مقاومة خلف حزب الله ومشاريعه لربط لبنان بمحور الممانعة عبر طرحه الذهاب شرقا نحو سوريا وايران والصين والعراق (…) بعيدا من سياسة النأي بالنفس والحياد، التي تعتبرها باريس، جوهرية، تماما كما الاصلاحات، لتتشجّع الاسرة الدولية على مساعدة لبنان. بحسب المصادر، لودريان لن ينطق فقط باسم باريس، بل باسم المجتمع الاوروبي الغربي كلّه، حتى باسم واشنطن، وهو سيحمل الى بيروت ما يشبه الانذار الاخير: اسرعوا في الاصلاح واخرجوا من تحت وصاية حزب الله، والا فإن عزلتكم السياسية والاقتصادية ستتوسع، وبالتالي محنة اللبنانيين ستشتد، ولن تكون في يدنا حيلة!