كتبت راجانا حمية في صحيفة “الأخبار”:
من دون سابق إنذار، استفاق وزير التربية والتعليم العالي، طارق المجذوب، على وجود «غرباء» في مبنى وزارته، فقرّر بين ليلة وضحاها تبليغهم بضرورة إخلاء المكاتب والعودة إلى ما يفترضه «مكانهم الطبيعي». قبل تلك الاستفاقة، لم يكن ثمة من يتنبه إلى وجود عشرة موظفين تابعين للمركز التربوي للبحوث والإنماء يشغلون مكاتب في الوزارة منذ 32 عاماً. مرّت «عهود» على الوزارة من دون أن يتغيّر في واقع الحال شيء، فقد تماهى الكل مع وجود موظفي المركز، إلى درجة أن هؤلاء باتوا من «نسيج» الوزارة، يتقاسمون مع فريقها ومع الأساتذة المهامّ، وآخرها «المساعدة» التي قدموها في مجال التعليم عن بعد.
فجأة، قرّر المجذوب ترحيل هؤلاء عن المكاتب وإلحاقهم بمركز عملهم الرئيس في سن الفيل، بحجّة أن «جيرانهم في الطابق السابع الذي كانوا يشغلون جزءاً منه يحتاجون إليه». هكذا، فوجئ الموظفون في الأول من الجاري بكتاب من الوزير يُبلغهم فيه قراره. وعندما حاولوا الاستفهام عن الأمر، لم يجدوا من يجيب على استفساراتهم. بعد أسبوعين على التبليغ الأول، أرسل الوزير تبليغاً آخر يصرّ فيه على تسليم المكاتب والتحاق الموظفين بصورة عاجلة. تواصل هؤلاء مع مكتب الوزير للحصول على موعد، «إلا أننا لم نحصل على موعد»، على ما تقول إحدى الموظفات. حاولوا الاتصال على هاتفه، لكن «لا إجابة»… إلى الخميس الماضي، عندما تمكّن الموظفون من «الوصول» إلى المجذوب. خلال الاجتماع معه، حاولوا إقناعه بإبقائهم في مبنى الوزارة، إذ يستحيل عليهم الانتقال إلى سن الفيل لأسباب كثيرة، أهمها أماكن إقامتهم القريبة من مبنى الوزارة وصعوبة التنقل، أضف إلى ذلك «أن الظروف الاقتصادية لم تعد تسمح لنا بتكبّد مصاريف إضافية». يقول هؤلاء إنهم «برمجوا» حياتهم على هذا الأساس، ومنطلق تبريرهم معقول هنا، وخصوصاً أنهم يشغلون المكاتب في مبنى وزارة التربية منذ الحرب الأهلية اللبنانية، عندما – وكان عددهم في حينه 21 موظفاً – بقوا في مناطقهم والتحقوا بمبنى الوزارة «إيام ما كانت بعدها بمبنى الأونيسكو القديم».
خلال الجلسة، لمس الموظفون «تعاطفاً» من الوزير، لكن ما لم يستطيعوا تلمّسه هو «النية» وخصوصاً أنه طلب منهم أن «أعطوني المفاتيح وخذوا الجمعة إجازة وإن شاء الله محلولة نهار الإثنين». لا يطلب هؤلاء من الوزير سوى البقاء حيث هم، وإن كانت ثمة حاجة إلى المكاتب البالغ عددها 7 بعدما تناقص عدد الموظفين إلى 10، فـ«لتأخذها الوزارة وتبقِ لنا على غرفتين أو ثلاث للعمل». وهي حلول طرحوها على الوزير، إلا أنه طلب منهم «إعطاءه مهلة حتى يوم الإثنين» (أول من أمس).
نهار الإثنين، فعلها المجذوب. أقفل المكاتب، فيما كان الموظفون ينتظرون في الردهات خبراً من الوزير. بقوا هناك حتى السابعة والنصف مساء، إلى أن أتاهم الخبر من مديرة مكتبه بأن المكاتب لم تعد لهم وأن عليهم الرحيل. علا الصراخ في المكتب. وبعدما يئسوا من المحاولة، طلبوا الدخول إلى مكاتبهم لإحضار أغراضهم، إلا أن الجواب كان «أنهم سيرسلون أغراضنا بكراتين مع حدا». هكذا، طرد المجذوب الموظفين واحتجز أغراضهم، سواء الشخصية أم تلك التي تتعلق بعملهم. ولئن كان تبرير الوزير بأن عليه توزيع الموظفين بين الطوابق «التزاماً بالتعبئة العامة»، إلا أنه كان من المفيد التذكير أن هذا الإجراء كان يجب أن يكون قبل أربعة أشهرٍ من الآن، عندما اتُّخذ قرار التعبئة.
«It’s over». أخذ الوزير المفاتيح وأخذ هؤلاء إجازاتهم المؤجلة، ريثما يعرفون ماذا يفعلون بعد الاجتماع برئيسة المركز التربوي، ندى عويجان، غداً.
السؤال هنا: لماذا استفاق المجذوب الآن على هؤلاء؟ وماذا عن الجيران الذين يشغلون أيضاً الطبقة السابعة؟ أسئلة كثيرة يطرحها المطرودون على أنفسهم من دون أن يلقوا لها جواباً. ولكن، ثمة من يحلو له عرض بعض التفاصيل التي يمكن أن تشكل نواة إجابة لطردهم بهذه الطريقة، ومنها «التوترات القائمة بين الوزير ومديرة المركز منذ أشهر». قد يكون هذا أحد الأسباب التي يريد «فيها الوزير الانتقام من عويجان عبرنا». أما ثاني الأسباب، فقد يكون «جار الموظفين في الطابق السابع في قسم المعلوماتية، والمعروف بالإمبراطور»، فهل رضخ الوزير لمطالب هذا الأخير؟