كتب عمّار نعمة في جريدة اللواء:
زيارة ذات دلالة في توقيتها ومضمونها لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للبنان الذي تحتفظ باريس باهتمام خاص به وتعتبر نفسها الراعية الأساس لإنشائه وحمايته.
الرسالة الفرنسية لا لبس فيها بالنسبة إلى لودريان الذي يُعبر ذاتيا عن اهتمام شخصي بلبنان، وهو الركن الذي لا يتزعزع في حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون وسياسته الخارجية. ويُجمع المهتمون بسياسة فرنسا تجاه لبنان على عدم تخليها عن هذا البلد في هذه اللحظة الدقيقة التي يمر فيها والتي يخوض خلالها معركة مصير في ظل أزمته الكارثية. وللزيارة مناحٍ متعددة لإظهار الدعم الدائم للبنان على رغم أن ثمة معلومات بأن الوزير الزائر سيكون مستمعاً بدقة وهو لن يحمل مبادرة ما بل يريد تلقي أجوبة مقنعة على أسئلته.
مساعدات تربوية متنوعة
وانطلاقا من هذه التاريخية يشدد على أن «هناك اشكالية تتعلق بالمدارس الفرنسية ستُبحث في الزيارة وتتعلق بالبعثة العلمانية الفرنسية في لبنان التي ستحظى بدعم مالي يتعلق بالمدارس على أن تقسم الى أكثر من قسم، ودعم آخر سيقدم الى أهالي التلامذة في المدارس ذات التوأمة مع المدارس الفرنسية من دون أن تكون تابعة مباشرة الى فرنسا وتبلغ نحو 50 مدرسة تابعة للمنظومة الفرنكوفونية».
أبي رميا الذي يتواصل على الدوام مع السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه، يلفت النظر الى أن باريس تود الانطلاق من الباب التربوي لتقديم الدليل الجدي والملموس على دعم البلد الذي يشكل المرتكز الأساس لها في المنطقة وهي التي تولي بلدان الفرنكوفونية أهمية قصوى.
من المنتظر أن يلتقي لودريان الرؤساء الثلاثة ووزير الخارجية والبطريرك الماروني وفعاليات من المجتمع المدني إذا تسنى له الوقت في السفارة قبل مغادرته صباح الجمعة أو الخميس مساء. ليس على جدول الأعمال لقاءات مع الأحزاب السياسية فلودريان لا يريد توجيه رسالة يخطىء الجانب الاميركي في تفسيرها عبر لقاء «حزب الله»، لكن المساعي وراء الكواليس قد تؤدي الى حصول هذا اللقاء.
أما بالنسبة الى لقاء الراعي، فهو محدد بغض النظر عن ماهية الموقف الأخير للراعي حول حياد لبنان. والزيارة تتعلق ببروتوكول قديم مع لبنان والعلاقة المميزة مع البطريركية المارونية التي تجري قداساً سنوياً على نية فرنسا ما يؤشر الى تلك العلاقة المميزة.
المانحون جاهزون.. بلا زجل!
في الجانب السياسي، وهو الأهم للبنان، سيُكمل لودريان ما بدأه في مجلس الشيوخ الفرنسي بأن «ساعدونا على مساعدتكم». وفي إطار الدعم الباريسي، قامت برعاية مؤتمر الدول المانحة الذي يتعلق بموظفي القطاع العام في الدول الفرنكوفونية، في موازاة إجرائها قبل فترة إجتماعاً عبر الإنترنت مع رئيس الحكومة حسان دياب ومجموعة من الوزراء المعنيين بمؤتمر «سيدر».
وعلى هذا الصعيد، يُقر النائب في تكتل «لبنان القوي» بأن ما تم إقراره على صعيد مبلغ الـ11 مليار يورو قد لا يكون ثابتا اليوم مع تغير الاولويات لدى الخارج، لكن سيكون هناك ضخ أولي لثلث هذا المبلغ أو لنصفه وفقا للأولويات التي استجدت بعد الاشكاليات السياسية اللبنانية وتفاقم الوضع المعيشي وهبوب وباء «كورونا» في ظل الانفجار الكارثي إجتماعيا. على أن ذلك طبعا شرطه «الإصلاحات ثم الإصلاحات ثم الإصلاحات» على حد تعبيره. ويضيف انه أمر «طالبنا به منذ مؤتمر «سيدر» وما قبله في اصلاحات جذرية وبنيوية في كثير من القطاعات في الوقت الذي تستمر فيه الامور في الدولة اللبنانية قائمة في شكل عام على منطق الكلام والشعارات الزجلية والبيانات غير الجدية».
هذا الامر لا ينفي الجدية المقابلة من فرنسا «لكن لا مساعدة مهما كانت متواضعة في حال عدم وجود بداية إصلاحات ملموسة من قبل الدولة اللبنانية، وهذا يطالب به ليس فقط المجتمع الدولي، بل المجتمع اللبناني منذ زمن». وفي لقائه مع الضيف الفرنسي، سيطلعه رئيس الجمهورية ميشال عون على الخطة الإصلاحية والصعوبات التي تعترضها، وسيؤكد له جديّة لبنان بعد إقرار بندي شركتي التدقيق الجنائي المالي والـ«سكانر» لضبط عمليات التهريب عبر الحدود، وهما تبعا تعيين مجلس إدارة لشركة كهرباء لبنان ما يعني تصميماً على المضي في الإصلاحات، حسب المتابعين للزيارة. على أنه وفي ظل تعثر لبنان في ظل عدم سداده لمستحقات اليورو بوند، فإن الدول المانحة تريد التأكد من استرداد الأموال وإيفاء القروض بالتوازي مع نقاش مثمر مع صندوق النقد الدولي. علما أن هناك شعوراً ايجابياً خارجياً بعد قبول لبنان بتلك المفاوضات على اثر لغط حول موضوع الصندوق وهو ما يجب البناء عليه ليصبح ملموساً، «والكرة في ملعب الحكومة والدولة ويجب عدم المماطلة بعد اليوم لأن هذا الأمر ضد مصلحة لبنان، علماً أن مسؤولية كبيرة تترتب على الحكومات السابقة، مع تسجيل حداثة عمر الحكومة الحالية والتحدي الكبير الذي واجهته مع «كورونا»».
ويلفت أبي رميا الانتباه الى أن لفرنسا التي تستطيع فتح الباب أمام لبنان للمساعدات الأوروبية والدولية، مصلحة في عدم خراب لبنان كونه الممر التاريخي للإشعاع الفرنكوفوني كما أن الوجود اللبناني مؤثر وحصل على مكانة هامة في فرنسا».
تنسيق مع الأميركيين.. وتمايز
في مقابل المطالب الدولية، أبلغ لبنان الفرنسيين مطلبا مقابلا موجها الى المجتمع الدولي، يتمثل في مساعدته في مواجهة قضية النازحين السوريين «الذين يكلفون لبنان أموالا طائلة هو غير قادر على تحملها في المال والبنية التحتية بلغت أكثر من 20 مليار دولار ويجب على المجتمع الدولي مساعدتنا لتحمل هذا العبء والعمل على إعادتهم الى سوريا». وعلى هذا الصعيد سيكون لعون كلاما صريحا مع لودريان الذي تحمل بلاده الهم اللبناني علما أنه سيوجه الشكر لفرنسا على اهتمامها بلبنان.
ولدى أبي رميا الكثير ليقوله حول التمايز القائم بين فرنسا والولايات المتحدة الاميركية حول سياستهما في المنطقة.
هو يقر بالتنسيق والتواصل بين الإدارتين، لكنه يؤكد إختلاف نظرة باريس عن واشنطن في لبنان وسوريا كما تجاه عملية السلام في المنطقة. وعلى سبيل المثال كان موقف باريس واضحاً في رفض خطة الضم الإسرائيلية لمناطق في الضفة الغربية، ناهيك عن قضايا أخرى في المنطقة منها الملف الإيراني.
بالنسبة إلى النائب في تكتل «لبنان القوي» سيمون أبي رميا، الخبير في سياسة فرنسا والذي أمضى زمنا طويلا من حياته هناك والعائد من باريس منذ أيام، فإن أهداف الزيارة سياسية وتربوية. وبعد استعادة مستفيضة لتاريخية العلاقة الفرنسية اللبنانية، يشرح لـ«اللواء» ما سيحمله الوزير الزائر.