كتب محمد دهشة في صحيفة “نداء الوطن”:
حبس أنفاس… شدّ أعصاب، سيل من الشائعات وتأهّب عام، ما ميّز يوم العشرات من الناشطين البيئيين، ومن الحِراك الإحتجاجي ومؤسّسات المجتمع المدني والأهلي، الذين يُرابطون في مرج بسري منذ أيام، في اعتصام مفتوح، للحؤول دون تنفيذ مشروع السدّ الإسمنتي، ومنع وقوع كارثة بيئية وأثرية، تحت ذريعة توفير المياه لمنطقة بيروت الكبرى وجبل لبنان، واعتباره محمية طبيعية.
اليوم الأخير من المهلة التي أعطاها البنك الدولي لبدء تنفيذ المشروع، وإلّا تحويل الدعم المالي المُقدّر بنحو 650 مليون دولار (200 لإنشاء السدّ الإسمنتي و450 مليون دولار لباقي التمديدات) الى مشروع آخر في لبنان، ومنها مكافحة الفقر المُدقع مع جائحة “كورونا”، أو دعم خطة إصلاح الكهرباء، كان حافلاً بالخِشية من قيام المُتعهّد داني خوري باستقدام معدّاته وآلياته مُجدّداً الى المكان وبحراسة أمنية ووقوع ما لا تُحمد عُقباه.
تمديد ومناورة
وبدت ساعات اليوم ذاته مُثقلة بالتوتّر والضغوط، مع الشائعات المُتكرّرة التي تحدّثت بين الحين والآخر عن استقدام حافلات مليئة بعناصر مُكافحة الشغب الى المرج، بهدف إخراج المعتصمين منه، أو حماية إدخال المعدّات والآليات للشركة المُنفّذة، ومحاولة تثبيط عزيمتهم ودفعهم نحو التراخي والإستسلام. غير أنّ الناشطين واجهوا الأمر بدعوات للتوافد الى المنطقة، والوقوف سدّاً منيعاً في وجه إقامة السدّ، حيث لاقت دعواتهم استجابة من مختلف المناطق والطوائف، الى أن جاء خبر طلب رئيس الحكومة حسان دياب من البنك الدولي تمديد مهلة بدء العمل بسدّ بسري ثلاثة أشهر، فتنّفسوا الصُعداء.
وأكد الناشطون لـ”نداء الوطن” أنّ طلب الرئيس دياب تمديد المهلة مُناورة من الحكومة للعب على عامل الوقت، وهو ما يعني إصرار السلطة على تنفيذ المشروع من دون إلغائه، بالرغم من كلّ الرفض السياسي والشعبي، في اعتبار أنّ إنشاء السدّ يعني حصول كارثة بيئية، لجهة قطع الأشجار المُعمّرة، وتدمير الآثار التاريخية والأثرية والإضرار بالمزروعات وتحريك فالق بسري الزلزالي، وفي نهاية المطاف وصول مياه ملوثة أو مُسرطنة، لأنّ تجربة السدود أثتبت فشلها مع مرور السنوات، فيما توجد خيارات أخرى بديلة، أقلّ كلفة وأكثر نجاحاً.
وأوضح الناشط روبيرتو التنّوري لـ”نداء الوطن” أنّ “التأجيل يعني مناورة لكسب المزيد من الوقت الضائع، لكنّنا لن نيأس، وسنبقى سدّاً منيعاً في وجه السدّ الى أن يتمّ إلغاؤه”، مُشيراً الى “أنّ ما جرى جولة من المواجهة السلمية، ونجحنا في فرض أمر واقع جديد، ولكنّنا لم نُحقّق النصر الأكيد بعد”، وتخوّف من امكانية تنفيذه لاحقاً، “ما يتطلّب منّا البقاء على أهبة الإستعداد، لأنّه لا ثقة بالحكومة ولا بمشاريعها، إنّها سلطة مُحاصصات وصفقات”.
بينما اعتبرت الناشطة أماني “أنّ التمديد يعني الإصرار على إتمام الصفقة بالرغم من كل الإعتراض، مُشيرة الى أنّ الرئيس دياب يُنفّذ ذات الأجندة والمشاريع، ولم يسمع صوت الناس وِفق ما قال حين تولّى رئاسة مجلس الوزراء بأنّه سيكون حكومة إنقاذ”، قائلة: “إنّ سدّ بسري صفقة مُحاصصة ونموذج لصفقات منظومة الفساد التي أغرقت لبنان بالعجز، وهي جريمة بحقّ طبيعتنا وتاريخنا وآثارنا وصحّتنا، أي جريمة بحقّ ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا في آن معاً”.صفقة وعزيمة
بين المُحتجّين في المرج، لا يختلف اثنان على أنّ مشروع سدّ بسري ليس صفقة وحسب، وانّما كارثة وعلى كل المستويات، وعلى حساب المعالم الطبيعية والبيئية والتاريخية والأثرية التي يمتاز بها المرج، الذي من المُفترض أن يكون محمية طبيعية تدخل ضمن الإرث العالمي والإنساني، لذلك الإصرار على منع تنفيذه والإستماع الى صوت الشعب.
وقال الناشط البيئي شربل عساف لـ”نداء الوطن” انها معركة كسر العزيمة في الساعات الأخيرة، والسلطة استخدمت كلّ أساليبها، لكنّ الثوّار لن يتراجعوا، بل تواجدوا بكثافة من أجل إفشال اي محاولة لإدخال المعدّات والآليات، موضحاً أنّ “تواجد القوى الأمنية والعسكرية يهدف الى تأمين الحماية وحفظ الأمن والإستقرار، وليس العكس خِلافاً لكلّ الشائعات”، قبل أن يُضيف “تتمركز عند مدخل المرج عادة قوة من الجيش اللبناني وأخرى من القوى الأمنية، ولم يُضف اليها عناصر جدد”.
مواقف سياسية
ولم يكن المحتجّون وحدهم في الميدان، اذ توالى الدعم من نواب وقوى سياسية، ومنهم النائبة بولا يعقوبيان التي أكّدت “أنّنا نعلم جيّداّ أنّ سدّ بسري هو صفقة بكلّ المعايير، وبلغني أنّ حالة مشروع سدّ بسري اليوم مُعلّقة، وهناك مرحلة واحدة مُتبّقية هي الإلغاء.. موضحة أنّ “البنك الدولي قال هناك أولويّات أهمّ من سدّ بسري، مثل موضوع الكهرباء ومُساعدة الفقراء”، مُتوجّهةً إلى الناشطين الرافضين لمشروع سدّ بسري بالقول: “نحن معكم، وهناك أصوات ترتفع في مجلس النواب الى جانبكم”.