كتب طارق الترشيشي في صحيفة الجمهورية:
إذا اردت ان تعرف ماذا تفعل الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة، وما هي اهدافها من العقوبات والضغوط التي تمارسها على دولها عموماً وعلى «حزب الله» ومن خلاله على لبنان تحديداً، عليك ان تعرف ماذا يجري في شأن الغاز والنفط في شرق البحر الابيض المتوسط، حيث بدأت تظهر الأهداف جلية وواضحة، وهي ضمان أمن اسرائيل ومصالحها، وكذلك مصالح أميركا و«أمنها القومي»… وبعدهما أمن الآخرين ومصالحهم.
فيما لبنان يتخبّط في انهياراته السياسية والمالية والاقتصادية والمعيشية، وفي ظلّ الدخول الفرنسي المنسّق اميركياً على خط هذه الانهيارات، مرّت «مرور الكرام» قبل ايام صفقة شركة «شيفرون» الاميركية العملاقة، المتمثلة بشرائها شركة «نوبل انرجي» المشغّلة لبعض حقول النفط والغاز الاسرائيلية وفي مقدّمها حقلا «تامار» و«ليفاتان» في بحر فلسطين، ما جعلها شريكة اساسية في هذه الحقول المحاذية لحدود حقول لبنان والأجزاء المتنازع عليها بينه وبين اسرائيل في البلوك الرقم 9 وبلوكات أخرى.
وهذه الصفقة، يقول مطلعون، جعلت الولايات المتحدة الاميركية شريكاً اساسياً في تعاون الطاقة القائم بين اسرائيل وقبرص واليونان. فنطاق عملها، عبر شركة «شيفرون» بات يقع في المنطقة المشتركة بين لبنان واسرائيل وهي منطقة متنازع عليها، حيث أنّ لبنان يتهمّ اسرائيل بقرصنة اكثر من 870 كيلومتراً مربعاً، وتحديداً في منطقة البلوك الرقم 9 من المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة. وهذا ما قد يتيح للولايات المتحدة الاميركية ان تتحوّل من دور الوسيط، الذي لعبته بين لبنان واسرائيل عبر موفديها فريدريك هوف الى ديفيد ساترفيلد وما بينهما، الى دور الشريك من خلال ما امتلكته «شيفرون» من شركة «نوبل إنرجي» في الحقول النفطية والغازية، حيث بلغت قيمة الصفقة 13 مليار دولار تقريباً بما فيها ديون «نوبل».
ويعتقد هؤلاء المطلعون، انّ دخول «شيفرون» حقول «تامار» و«ليفاتان» الاسرائيلية سيغيّر معالم لعبة الغاز والنفط في شرق المتوسط، بحيث سيكون في امكان الولايات المتحدة اقامة حلف غازي – نفطي في حوض المتوسط يجمعها مع اسرائيل والاردن وقبرص واليونان ومصر وايطاليا، التي تعمل عبر شركة «ايني» في الحقول المصرية. وفي هذه الحال يكون لبنان قد بات اقرب الى المحيط المؤثر لسياسة النفط الاميركية.
وليس مستبعداً، حسب مطلعين على الموقف الاميركي، ان يكون إقدام شركة «شيفرون» على شراء شركة «نوبل انرجي» الاميركية – الاسرائيلية الملكية، كان لأنّ عيون الاميركيين مسلّطة منذ سنوات على بلوكات النفط والغاز اللبنانية بدءاً من البلوك رقم 9، وهو ما يمكن ان يؤثر لاحقاً على الشركات التي دخلت الى قطاع الغاز والنفط اللبناني من باب التنقيب، ومنها شركة «توتال» الفرنسية (التي حفرت قبل اشهر بئراً في البلوك الرقم 4 ولم تعثر على غاز بكميات تجارية)، الى شركة «نوفاتيك» الروسية وغيرهما. خصوصاً انّ «شيفرون» هي من الشركات التي كان ولا يزال لديها اهتمام بلبنان.
ويقول هؤلاء، انّ هذا الدخول الاميركي قد يسهّل اخراج موضوع الغاز في المتوسط من السياسة والنزاعات الاقليمية. بحيث انّ «شيفرون» في حال تولّت استخراج الغاز والنفط من بلوكات لبنانية، فإنّها تستطيع ان تصدّره بأي طريقة وتعطي لبنان حصّته، في حال كان البلوك المُستخرج مشتركاً او متنازعاً عليه بين لبنان واسرائيل، فتعطي لكل من الطرفين حصّته وفق نسبة حقوقه في هذا البلوك، ويأخذ كل منهما حصته وحقوقه كاملة في حال كان البلوك يقع ضمن ملكيته الخاصة الكاملة. ما يعني انّ «شيفرون» في هذه الحال لا تأخذ في الاعتبار النزاع الحدودي، الى حين البتّ بهذا النزاع. علماً انّ «شيفرون» مشهورة عالمياً في عملها انّها تستخرج النفط والغاز من الحقول التي تعمل فيها حول العالم، وتبيعهما لمصلحة اصحابهما وكذلك لمصلحتها.
وبحسب «ويكيبيديا»، فإنّ شركة شيفرون (Chevron Corporation) هي شركة أميركية متعدّدة الجنسيات مقرّها في سان رامون – كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وتعمل في أكثر من 180 بلداً حول العالم وتشارك في كل جانب من جوانب الغاز والنفط وصناعات الطاقة الحرارية، بما في ذلك الاستكشاف والإنتاج؛ التكرير والتسويق والنقل، وتصنيع ومبيعات الكيماويات. وتُعتبر إحدى أقوى وأكبر 6 شركات في العالم في مجال النفط. كذلك تحتل المرتبة الخامسة بصفتها واحدة من أكبر الشركات في الولايات المتحدة الاميركية، وباستحواذها على أصول شركة «نوبل»، توسّع نطاق حضورها في حوض كولورادو والحوض البرمي في غرب تكساس ونيو مكسيكو. وتعزّز الصفقة أصولها في شرق البحر المتوسط وغرب أفريقيا، وهي أول صفقة رئيسية في صناعة الطاقة منذ انهيار أسعار البترول في بداية السنة الجارية، وسط الاضطرابات الجيوسياسية وتفشّي جائحة كورونا.