استنادا الى المعطيات الميدانية والمواقف العلنية لمسؤولين اتراك في مقدمهم الرئيس رجب طيب اردوغان، فإن حلم اعادة بناء الامبراطورية العثمانية بنسخة ثانية يراود “السلطان” بقوة ساعيا بتحالفاته مع من كان صنفهم بالخصوم ومحاربة “الحلفاء” الى التمدد خارج حدود دولته.
اوجه شبه كبيرة تجمع تركيا وايران، فالحلم الفارسي يكاد يقترب من “الاردوغاني” في السيطرة على شعوب ودول بحجج وذرائع متنوعة، من قبيل مساندة ثورات أو حماية أنظمة أو التنقيب على الغاز أو ملاحقة إرهابيين او مقاومة العدو. وما تبرر إيران وجودها به في اليمن تبرر تركيا حضورها به في ليبيا، وما تحاول طهران زراعته في نيجيريا تسعى أنقرة الى غرسه في دول أفريقية أخرى.
وفيما نجحت الجمهورية الاسلامية الى حد بعيد في محاولة السيطرة على لبنان ببسط نفوذها السياسي، بعد العسكري من خلال حزب الله، ممسكة بمفاصل الدولة ومؤسساتها الدستورية، دخلت انقرة على الخط اللبناني من بوابة اجتماعية تحت ستار المساعدات لا سيما التربوية منها بخاصة شمالا ورصدت الاجهزة الامنية محاولات للدخول على الخط اللبناني بقوة، غير انها منظّمة ومشرّعة بالكامل تقطع اي طريق لضبطها بالجرم المشهود، فهل يتقاطع الحلمان في لبنان ام يصطدمان؟ وهل من نفوذ تركي واقعي فيه؟
الدخول التركي الى الملعب اللبناني بحسب ما تكشف مصادر مطّلعة على الشأن لـ”المركزية” بدأ منذ العام 2008 في اعقاب مشاركة تركيا في قوات اليونيفل العاملة جنوباً، حيث استقدمت منظمة “تيكا” الحكومية بهدف تنظيم اوضاعها لتتوسع لاحقا وتدخل البيئة اللبنانية عن طريق تقديم المعونة والمساعدات. ومن الجنوب الى الشمال حيث الحاجة ملّحة اقتحمت مجال التعليم عبر تقديم منح تعليمية للطلاب اللبنانيين في تركيا وتركزت مساعداتها في شكل خاص في بلدة الكواشرة التي تخرّج منها اطباء ومهندسون ومحامون من جامعات انقرة عادوا جميعا الى لبنان. وبُعيد الازمة الاقتصادية، تضيف المصادر، نشطت المساعدات التركية العينية للسكان المحتاجين في شكل ملحوظ. الا ان جميع هذه الاعمال بقيت ضمن الاطار القانوني، نافية كل ما تردد عن توقيف اتراك او حتى اي لبناني مدفوع من جهات تركية استخباراتية بهدف تنفيذ اعمال تخريب في الثورة بالاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة كما تردد.
لا دليل واحد امنيا على تورط تركي في الساحة اللبنانية، تشدد المصادر، حتى ان كل ما حيك عن توقيف اشخاص واحتجازهم بتهم الاخلال بالامن لا يمت الى الحقيقة بصلة، وقد يكون مجرد شائعات لاستثمارها في اطار الاجواء المحتدمة داخليا و إقليميا تزامنا مع الحديث عن خطوط إمداد من اسطنبول الى طرابلس عبر حزب “العدالة والتنمية” الحاكم.
اما دولارات الطائرات التركية فشأن آخر، تضيف المصادر، شارحة القضية من الفها الى يائها. بداية حطت طائرة تركية مستأجرة في مطار بيروت على متنها شحنات من الدولار الاميركي توازي قيمتها 450 مليون دولار، خرجت من تركيا مستوفية كل الشروط القانونية وتم التصريح عنها في لبنان ايضا من دون اي تلاعب او تزوير. وفي اليوم التالي حطت طائرة اخرى تنقل المبلغ نفسه بحيث بلغ المجموع 900 مليون دولار. على الفور تحركت الاجهزة الامنية اللبنانية ومديرية المخابرات لتقصي الحقيقة خلف ادخال هذه الكميات من الدولارات في عز الازمة المالية والاقتصادية في لبنان وفقدان تام للعملة الصعبة من الاسواق. اوقفت عددا من الاشخاص الذين قدموا على متن الطائرة ومَن تبين ان لهم صلة بهم، واجرت التحقيقات اللازمة ليتضح لاحقا ان كل ما يرتبط بالعمليتين قانوني مئة في المئة ولا غبار عليه. الاموال خرجت من تركيا بالطرق الشرعية لمصلحة شركة زين انترناشيونال- فرع لبنان، صاحبها سوري الجنسية ويعمل في مجال نقل الاموال على غرار شركات لبنانية عدة. آنذاك اطلق الموقوفين جميعا. فلا تهريب ولا علامات استفهام ولا ثبوت لتورط في عمليات غير شرعية.
هذا حجم القضية، تختم المصادر، معربة عن اعتقادها بأن لا ارتباط بين قضية الدولارات ومحاولات الدخول التركي الى الساحة اللبنانية. الشكوك في محاولة الاقتحام التركي للخط اللبناني تبقى مشروعة في ظل عوامل عدة تتجمع في الافق السياسي. لكن الامن والقضاء شيء والسياسة شيء آخر…