كتب غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”:
هي محكمة استثنائية بالمعايير المختلفة إن كان من حيث الجريمة وطابعها او مسرحها أو مكان المحاكمة، والمدة الزمنية التي استغرقتها لإصدار الحكم البدائي الذي تطلب اكثر من خمس عشرة سنة، بحيث لم نشهد نموذجاً لها ولَم نشهد إنقساماً والتباساً حولها كما هو حاصل اليوم. أما أبرز ما فيها أنها محاكمة غيابية، ستصدر أحكامها غيابياً، ويبقى موضوع الدلائل قابلاً لآلية الأخذ والرد.
لم تعد أجواء قرارغرفة الدرجة الأولى لدى المحكمة الخاصة بلبنان والمعنية بالنظر في قضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري خافية على أحد من المعنيين في هذه القضية. القرار الذي اتخذ بغالبية صوتين مقابل صوت واحد من أصل أصوات ثلاثة قضاة رئيسيين يؤلفون هيئة الغرفة، سيعلن في السابع من شهر آب المقبل خلال جلسة مخصصة للنطق بالحكم سيشارك فيها بعض المعنيين عبر نظام المؤتمرات المتلفزة نظراً لظروف جائحة كورونا.
تتوقع أوساط متابعة أن القرار سيدين المتهم سليم عياش ويعتبره القائد المنفذ والذي نسق الأدوار المختلفة للمجموعة وسيكون الحكم هو الأقصى، فيما ستتم إدانة كل من: أسد صبرا، حسن عنيسي وحسن مرعي وستكون بأحكام أخف نظراً لأدوارهم اللوجستية. وتقول المعلومات إن الأدلة المادية خضعت لتدقيق، بعضها أسقط لعدم موثوقيته وبعضها جرى إعتماده كأدلة لها قيمتها الجنائية وبالتالي خرج القضاة الثلاثة بشبه إجماع على إدانة المتهمين.
والمعلوم أن قواعد الإجراءات والإثبات تنص على أن المحكمة تستند الى أدلة لا يرقى اليها أدنى شك وكل دليل يشكك فيه يسقط، علماً أنّ المطلوب جمع كل الأدلة لتوليفها أي جمع الأدلة الظرفية مع الرواية السياسية والأدلة المتعلقة بالإتصالات، لتشكل دليلاً متكاملاً على اعتبار ان الجرائم التي تنفذها مجموعات لا تترك أثراً عادة، وبالتالي تم الاعتماد على الرواية السياسية وتقاطع الأدلة في ما بينها. وهذا ما ولّد بعض الشك، ما سبب إنقساماً في الرأي القضائي قبل أن يُحسم الجدل بتبني الرواية السياسية مقرونة بالأدلة الظرفية.
غير أن القرار لن يكون نهائياً وهو خاضع لإستئناف الدفاع والادعاء. يدرس فريق الدفاع خياراته في حالات الادانة أو البراءة. ولكن في حالة الادانة هل يعتبر الاستئناف قانونياً مع وجود سجال حول هذه النقطة لا يزال قائماً لعدم وجود إمكانية إستئناف عن حكم صدر بحق شخص غير موجود.
ولكن السؤال هو ما الذي سيحصل بعد النطق بالحكم على مستوى الشارع؟ وكيف سيتعاطى “حزب الله”؟ وكيف سيتلقف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الحكم؟
من يسأل “الحزب” عن توقعاته لتاريخ السابع من آب ترده مصادر مطلعة على اجوائه إلى موقفه المبدئي من المحكمة الدولية التي لا يعتبرها موجودة من الأساس، ويرى أن دورها لا يتعدى كونه أداة للضغط الاميركي ومعه فريق من اللبنانيين. قبل تاريخ السابع من آب كما بعده كلها ايام متشابهة بالنسبة إلى “الحزب”، معوّلاً على ان يخرج البلد من هذا التوقيت بأقل أضرار ممكنة. لا ترى المصادر ان مناخ البلد صدامي بفعل ما تقرّره المحكمة، وإن حاول البعض استغلال أي حكم لتعويم نفسه سياسياً على حساب الرئيس سعد الحريري.
مقابل كل ما تقدّم يبدو “حزب الله” في عالم آخر مختلف عما يحاول الآخرون جرّه اليه. الباحث عن أفق حلّ للأزمة المالية والاقتصادية الى المواجهة المحتملة مع اسرائيل، تجمعه علاقة طيبة مع الرئيس سعد الحريري ويعوّل عليها لقطع الطريق على اي محاولة للفتنة السنية – الشيعية في المرحلة المقبلة، بحجة الحكم الصادر عن المحكمة الدولية. والواضح أن الحريري لا يزال على موقفه الذي قاله سابقاً والذي يفصل اتهام الافراد عن “الحزب”. ويُنقل عنه قوله انه لن يدع القرار يؤثر على لبنان ولن يدين طوائف كما لن يتهم احزاباً بل هو اتهام لأفراد وليس أكثر، محاولاً بذلك خلق نوع من انواع التوازن في العلاقات الداخلية، ومعيداً التأكيد ان معرفة الحقيقة ليس بهدف الثأر وانما للعبور الى بناء وطن على أسس جديدة.