IMLebanon

مهلاً غبطتكم… ثمة ماضٍ لم يمضِ

كتب حارث سليمان في صحيفة :”نداء الوطن”:

اذا لم يكن الحياد موصولاً بقبول اتفاق الطائف وبعروبة لبنان، ولا يستعيد حياداً طُرِح قديماً، حول المسألة الفلسطينية، بل هو حياد في الصراع بين ايران والدول العربية.

واذا كانت دعوة الحياد الجديدة هذه، هي تكرار لدعوة حياد قديمة جرى نزاع تاريخي هوياتي حولها، قبل سنة 1975، فهي دعوة لن يكتب لها نجاح ولا قبول.

انا مع حياد على أساس الطائف وعروبة لبنان، وهو حياد يعالج مسألة خروج لبنان من الأسر الايراني ومن محور الممانعة، وليس حياداً ينزع عنه عروبته وانحيازه الى قضايا العرب الكبرى، ويسترجع التحريض العنصري ضد الشعب الفلسطيني وضد النازحين السوريين، ويستعيد المقولات المستندة لنزعات الكراهية الاقلاوية.

الاقلاوية ليست ثقافة بل نزعة نفسية اجتماعية لا تواجه المشاكل بالبحث عن حلول بل تقود الضحايا لمواجهة ضحايا آخرين اكثر ضعفاً وفقراً.

اين اصبح مشروع “حلف الأقليات” ما هو الموقف منه؟ فالحياد المرتجى يجب ان يتبرأ وينزّه نفسه عن مفاهيم الاقلاوية المتكررة! فهل دعوة الحياد هذه هي كذلك، أم انها في جوهرها ليست الا تنقلاً بين حبال الأحلاف ولعباً على اتجاهات النفوذ الاقليمي والدولي، وتموضعاً في اكنافها؟

هل هي استدراك أخطاء وخطايا، تم ارتكابها عبر السنوات العشر الماضية؟: من الموقف من الازمة السورية والتواطؤ مع نظام الاسد، الى الخوف ومعاداة الحراك العربي، الى مقولة “الرئيس القوي” التي لم تكن الا معبراً اجبارياً لإيصال مرشح ايران الى سدة الرئاسة، وتصوير ذلك تلبية لحاجة مسيحية، واستيفاء لحقوق مسيحية مسروقة، الى صناعة قانون الانتخاب الأرثوذكسي او ما يعادله من قانون تم تفصيله، بزعم استرجاع حقوق المسيحيين مرة اخرى، وبحقيقة تمكين قاسم سليماني من تحقيق أكثرية نيابية في مجلس نواب لبنان، لم يخجل في الإعلان عنها!؟ والحياد المرتجى هل هو حياد الدولة بسلطاتها الدستورية؟ اي حياد رئاسة الجمهورية وحياد مجلس النواب ورئاسته، وحياد الحكومة وسياساتها ورئيسها، ام حياد الاحزاب الطائفية عن خارجها الاقليمي، حيث يشكل هذا الخارج رافعة يعزز نفوذها ويمدها بالدعم المادي والسياسي واللوجستي، مما يمكنها من مواجهة خصومها من الاحزاب الطائفية الاخرى، من ناحية اولى، كما يمكن زعيم كل حزب منها من اسر مواطني طائفته واستتباعهم وتحويلهم من مواطنين الى محاسيب زعامته.

فاحزاب الطوائف ليست الا منصات اجتماعية، وتشكيلات تنظم انحياز فئات داخلية الى خارج طامع، وأوعية استيعاب لفئات مختلفة تضع آليات استتباع الداخل للخارج.

فكيف يستوي هذا الحياد مع رفع شعار أحقية الوصول الى سدة الرئاسات الثلاث بشخصيات هي الاقوى في طائفة كل واحدة منها وجعل هذا الامر حصرياً؟

فالاقوى في طائفته هو الأكثر دعماً من راعيه الاقليمي، وهو الممسك برقاب رعاياه لانه ليس حيادياً، حتى لو كذب صباحاً او مساء!؟

فهل يبنى حياد مفترض في غياب حيّز دولتي ومجال عام لا تنتهكه احزاب الطوائف؟ وهل يبنى الحيّز الدولتي هذا في حمأة تقاسم وظائف الدولة ومراكز المسؤولية فيها بين المستتبعين والازلام الذين يتم انتقاؤهم من القابعين على أعتاب زعاماتهم الحزبية!

حياد الرئيس فؤاد شهاب لم يكن ممكناً، لولا هذا الحيّز الدولتي، في الجيش والامن واجهزته والتفتيش المركزي والقضاء ومؤسسات الرقابة ومجلس الخدمة المدنية والمعهد الوطني للادارة، الذي بنى ادارة تعتمد الكفاءة والجدارة، وتستبعد عناصر الاحزاب وكوادرها، وليس المحاصصة بين الازلام، فهل حيادكم هو حياد الشهابية التي صنعت جنين دولة صاعدة جرت محاولة اجهاض فاشلة لها بانقلاب الحزب القومي السوري سنة 1962 لكنها نجحت بقيام الحلف الثلاثي سنة 1968 وبانتخاب المرحوم سليمان فرنجية الجد سنة 1970.

اسئلة مفصلية لا بد من توضيحها والاجابة عليها، قبل الذهاب بعيداً في تبني دعوة تحرص على بلورتها وتعميق مضامينها وإنجاحها اكثرية وازنة من شعب لبنان ونخبه، ويكنون لمقامكم ولصرحكم كل ود واحترام.