IMLebanon

الحريري يحسُمها: أنا “المستقبل” و”المستقبل” أنا!

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:

مسألة واحدة تُشغل الرئيس سعد الحريري، هذه الأيام: مؤتمر تيار «المستقبل»، المُقرَّر غداً. وشخصياً، هو تواصَل مع كوادر ابتعدوا في السنوات الأخيرة، لأسباب سياسية أو تنظيمية، ليدعوهم إلى المشاركة. ولكن، في مشروع النظام الداخلي، بالنسخة الموزَّعة على المشاركين، تبدو ملامح «المستقبل» الجديد، أو الحريري الجديد الذي وصف نفسه بوضوح قبل عامين: أنا «بَيُّ السُنّة»!

المؤتمر العام الثالث سيكون مفصلياً في رسم صورة «المستقبل» الجديدة. فالرئيس سعد الحريري يريد من المؤتمر إقرار تعديلات تنظيمية تؤدي إلى الإمساك بالتيار جيداً. وثمة مَن يقرأ التوقيت بدقة: ربما يتمّ كل هذا عشية «متاعب» متوقعة، وقد يجري فيها استغلال «التيار» والبيئة الحريرية والسنّية عموماً.

حتى اليوم، كان مناخ القواعد الشعبية في تيار «المستقبل» يتّسم بهامش واسع من التنوع. حتى عند انتفاضة 17 تشرين الأول، كانت شرائح «مستقبلية» تنخرط في الحراك ضد الحريري كرئيس للحكومة، واعترضت على ما سُمّي آنذاك الورقة الإصلاحية وشكّكت فيها.

قبل ذلك، هناك في التيار مناخات واسعة من الاعتراض على التسويات السياسية التي مشى فيها الحريري. ولكن أيضاً، هناك «متاعب» يتعمّد البعض استثارتها لغايات مختلفة، وليست خافية على أحد. وربما تزيد من خطورتها الضغوط والتحدّيات الآتية، بدءاً من الشهر المقبل.

هذا «التشدّد» الذي سيفرضه الحريري على المؤتمر الثالث سيقود إلى تغيير في «نَفَس» الحريرية التي عصفت بها تحوُّلات صعبة في السنوات الأخيرة. والنهج السياسي الذي اتبّعه الحريري خلالها أجبرت «المستقبل» على أن يصبح كالآخرين: حزب الطائفة. وقد قالها الحريري في العام 2018، «أنا بَيّ السُنَّة».

وفي السياق، هو يتجّه إلى تكريس «أبوَّته» للطائفة في المؤتمر، من خلال تدعيم موقعه بلا منازع على رأس «التيار». وهذا طبيعي وفق نظام الطوائف السائد. ففي نادي الزعماء، «آباء الطوائف»، هناك أبو الشيعة وأبو المسيحيين وأبو الدروز… أو آباء لهم. طبعاً، وللإيضاح، «التيار» زعامة سنّية قبل أي شيء آخر. ولا ينخدع أحد في مقدار «التنوُّع» وطبيعته. ولطالما رأت فيه بعض القوى المسيحية إطاراً للسيطرة على التمثيل المسيحي. لكن الحريرية لطالما دافعت عن نفسها في هذا المجال: لا عند الشيعة ولا المسيحيين هذا التنوّع الطائفي في القواعد والكوادر ومروحة التمثيل في المجلس والحكومة.

يُقال إنّ سعد الحريري اقتنع بإحكام سيطرته على قيادة «التيار»، بعدما استنتج أنّ تجربة التساهل كانت مكلفة له. فهي في رأيه سمحت بنمو ظواهر في كنف الحريرية و»المستقبل»، برزت وصنعت لنفسها المواقع، مستفيدة من مناخ التنوع في الرأي وهوامش الحرّية، وعلى حساب «المستقبل». وهذا ما يريد الحريري أن يقطع دابره في المرحلة المقبلة.

ويُقال إنّ الحريري تعب من المواجهة المعقَّدة التي يخوضها منذ سنوات، خصوصاً معاناته في «منفى» السنوات الثلاث، عندما تفسَّخت قواعد «المستقبل» وترهَّلت. ولكن، في المقابل، بات يدرك أنّ التسوية السياسية التي أعادته إلى لبنان في العام 2015، ثم إلى السلطة، كانت مساراً مضلّلاً ساهم في تفاقم أزماته.

أدرك الحريري أنّ نوعية التسويات السياسية، ولاسيما التسوية الرئاسية التي عقدها مع «حزب الله» و»التيار الوطني الحرّ» وآخرين، انعكست عليه سلباً وكلّفته الكثير داخل «المستقبل» والطائفة السنّية. وهي اضطرته إلى أن يمارس لعبة شدّ العصب الطائفي، ليحافظ على قواعده وإضعاف ذرائع المزايدين عليه. وما سيفعله غداً في المؤتمر العام الثالث لجهة الإمساك بالزعامة، يندرج ضمن الهدف عينه.

ما هي القرارات المتوقعة في المؤتمر غداً؟

في مسوَّدة النظام الداخلي المعدَّل، الموزَّع على المشاركين للاطّلاع عليها، خطوتان أساسيتان تهدفان إلى حصر السلطة والقرار في أيدي الرئيس بشكل قوي ومباشر:

1 – إلغاء المكتب السياسي.

2 – إلغاء الأمانة العامة التي يشغلها اليوم أحمد الحريري.

ستكون الاستعاضة عن المكتب السياسي والأمانة العامة بمجلس الرئاسة الذي يعيّن الرئيس كامل أعضائه.

فوفق المادة 46 من النظام المعدّل، رئيس «التيار» هو الذي يقوم بتعيين فريق عمل يعاونه، لا يقلّ عدد أعضائه عن 16، ويُسمّى «مجلس الرئاسة». وهو يضمّ نواباً للرئيس للشؤون السياسية والتنظيمية، وعددهم بين 3 و6. كما يضم منسِّقين عامين لشؤون مختلفة.

وسيتمّ إنشاء «مجلس مركزي» للتيار يضمّ النواب والوزراء الحاليين والسابقين وأعضاء المكتب السياسي الحاليين والسابقين وأعضاء الأمانة العامة السابقين… وهو ينتخب هيئة الإشراف والرقابة. ويُقدّر أن يكون عدد أعضائه ما بين 120 و150.

إذاً، ستكون آليات التعيين هي الغالبة في هيكليات التيار بدلاً من آليات الانتخاب. وهذه سمة الأحزاب اللبنانية غير الديموقراطية بمعظمها. وفي عبارة أخرى، سيقول الحريري في المؤتمر: «كل شيء سيكون رهناً بإرادتي في التيار، بعد اليوم، ومن دون منافسة أو مناقشة. «المستقبل» لي، وأنا «المستقبل».

في الواقع، هذا المناخ هو السائد في أحزاب الطوائف اللبنانية كافة، بلا استثناء. والتطورات الآتية في لبنان ربما توضح لماذا ينحو الحريري إلى ممارسة لعبة التفرّد في زعامته:

المتوقع، مزيد من الضغوط المالية والاقتصادية والتوتر السياسي والمخاوف الأمنية والعسكرية، والحكم الذي ستصدره المحكمة الدولية في 7 آب في قضية اغتيال والده ورفاقه. وهناك تدخّلات محتملة في لبنان لبعض المحاور الإقليمية النامية حديثاً على ساحة الشرق الأوسط، والتي قد تستغل البيئة السنّية أو الحريرية أو «المستقبلية» أو تلعب على تناقضاتها الحالية أو المتوقعة.

فهل اتجاه الحريري إلى التشدُّد والتفرُّد في قيادة التيار سيُبعد عنه عواصف الانقسام التي يخشاها، أم يكون مبرراً إضافياً له؟ وفي أي حال، هل سيخدم صورته وأهدافه في المستقبل؟