كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
عَبَر قرار المجلس الدستوري الذي أبطل القانون المتعلق بتحديد آلية التعيين في الفئة الأولى قبل ايام بهدوء وصمت، ولم يرصده أحد كما كان يحصل في السابق. وعلى رغم من الانتقادات القاسية التي نالها، فقد بقيت بين اربعة جدران، وهو ما يُفسّر على انّ المجلس كان مطواعاً للسلطة في اولى التجارب القاسية التي خضع لها، وانّ على الجميع عدم توقّع تجدّد المواجهات السابقة. فكيف؟ ولماذا؟
قبل ايلول من العام الماضي كانت اجتماعات المجلس الدستوري تحظى بتغطية اعلامية ومواكبة قانونية وسياسية غير مسبوقة، قياساً على حجم الإستحقاقات التي واجهها في ظروف غير عادية، حكمت العلاقة بين المجلس واهل الحكم في منتصف الولاية الرئاسية. وكان ذلك قبل ان «ترتاح» السلطة من تلك التركيبة، برئيسها ومعظم الأعضاء، في ظروف معروفة جداً ولا حاجة الى التذكير بها.
ومن يستذكر تلك المرحلة يمكنه الوقوف على كل القرارات والخطوات التي اتُخذت بين ليلة وضحاها، وفي ساعات قليلة، ليتسلّم المجلس الجديد مهماته من خارج كل الاصول المتعارف عليها، وعلى رغم من انتهاء الدوام الرسمي. ولربما – لو لم يتنبّه احد اعضائه – كان احدهم يرغب بتسلّم مهماته قبل ان يصدر مرسوم تعيينه في «الجريدة الرسمية» التي صدر منها ملحق خاص منتصف تلك الليلة. وربما قبل ان يقسم اعضاء المجلس الجدد اليمين الدستورية امام رئيس الجمهورية، والتي رُتبّت على عجل في مقرّه الصيفي في بيت الدين، وبالتأكيد كانت العملية قد تمّت قبل عطلة نهاية الأسبوع الأول من ايلول، لو لم يحصل ما لم يكن في الحسبان.
ليس في ما سبق اي إدانة لأحد في اي موقع كان. فالعودة الى تلك المرحلة التي أُحصيت بالساعات والدقائق المتسارعة وما سبقها وتلاها، ما يوحي انّ المواجهات التي حصلت في السنوات الثلاث الأولى من العهد مع المجلس قد انتهت ولن تتكرّر، بعدما سُجّلت بتفاصيلها في ارشيف المجلس وسجلاته ووثائقه وتاريخه.
وعليه، فإنّ الجديد المطروح اليوم على بساط البحث الدستوري قبل السياسي، يتعلق بالقرار الذي اصدره المجلس في 22 تموز الجاري، وابطل بموجبه القانون المتعلق بتحديد «آلية التعيين في الفئة الأولى في الإدارات العامة وفي المراكز العليا في المؤسسات العامة»، قبل ان تنتهي المِهَل الدستورية المعطاة له، للنظر في القانون ومدى تطابقه والدستور. فهو القانون الذي اقرّه مجلس النواب في 28 أيار الماضي، وبات نافذاً حكماً منذ ان نُشر في ملحق خاص لـ»الجريدة الرسمية» تحت الرقم 28 الصادر في 3 تموز الجاري، من دون ان يوقّعه رئيس الجمهورية. وهي خطوة وُصفت يومها بـ «الهندسة الدستورية» الرئاسية الناجحة، فهو لا يريد للقانون ان يمرّ، فاستخدم، الى جانب رفضه توقيعه ضمن المهلة التي حدّدها له الدستور بخمسة عشر يوماً لنشر القانون، صلاحياته الدستورية المنصوص عنها في المادة 19 من الدستور، والتي اعطته صلاحية الطعن بدستورية اي قانون امام المجلس الدستوري.
وبناءً على المراجعة الرئاسية في 8 تموز الجاري، بدأ المجلس الدستوري عمله ليصدر قراره في 22 منه، فرُدّ القانون برمته من دون التوسع في بعض الجوانب التي كان يمكن ان تحميه من الإبطال الكامل. وان عاد مرجع دستوري الى نصّ القرار، لوجد انّه استند الى مضمون قرار سابق صدر في العام 2001 وأبطل قانوناً كان قد صدر يومها من اجل تعيين موظفين في الفئتين الأولى والثانية من خارج الملاك الاداري العام ولمدة 3 سنوات قابلة للتمديد، بقرار من مجلس الوزراء، من دون ان يكون هناك اي وجه شبه بين ذلك القانون وما كان مطروحاً على المجلس في الأمس، لا شكلاً ولا مضموناً ولا اهدافاً.
وفي التفاصيل، يقول المرجع الدستوري: «أُبطل القانون السابق في المجلس الذي كان يرئسه القاضي امين نصار، ومن ضمن أعضائه مستشار رئيس الجمهورية اليوم الوزير السابق سليم جريصاتي، اعتراضاً على انتفاء صلاحيات الوزير ومجلس الوزراء، وبموجب طعن تقدّم به 10 نواب من بينهم الرئيس السابق للمجلس النيابي حسين الحسيني. والاعتراض كان في حينه يكمن في انّ القانون خالف الدستور بتشكيل لجنة تدرس ملفات المرشحين الى المواقع في هاتين الفئتين، من رؤساء الهيئات الرقابية، التفتيش المركزي، ومجلس الخدمة المدنية، في غياب الوزراء المختصين عنها، وهو امر لا يمكن اعتباره مشابهاً لما جاء به القانون الجديد المطعون به.
ومن ابرز عدم وجود اي وجه شبه يؤدي الى الدفاع عن صلاحيات الوزير ومجلس الوزراء، كما جاء قرار الدستوري الاخير في الأمس، انّ القانون المطعون به قال بتشكيل لجنة تضمّ الوزير المختص ووزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، مع ممثلين عن مجلس الخدمة المدنية، ومن يمكن اختياره من الخبراء اصحاب الإختصاص، إن دعت الحاجة الى ذلك، في حالات دقيقة جداً. ولذلك لم يصادر القانون صلاحيات الوزير، بل ترك له، عدا عن وجوده حكماً في اللجنة الفاحصة او من يكلّفه المهمة، حقاً آخر لا ينازعه عليه احد، عندما يختار ثلاثة من اسماء المرشحين الفائزين بالمباراة وتقديمهم الى مجلس الوزراء وفق جدول يعطيه حق التفضيل في ما بينهم بالتراتبية التي يراها مناسبة، ويمكنه ايضاً ان يأتي بإسم ثالث إن خلت اللائحة من ثلاثة اسماء من مذهب معيّن، له الحق في ان يتمثل في التعيينات، كما أضاف وزير الطاقة أخيراً اسماً درزياً، لم يخضع للآلية المعتمدة لديه خارج الآلية التي قال بها القانون المطعون به.
وكذلك، لم ينل القانون الجديد من صلاحيات مجلس الوزراء، الذي تُرك له القرار النهائي بالتعيين، كما في كل الحالات السابقة حتى الإستثنائية منها، عند التعيينات في السلك الديبلوماسي وتعيين القضاة في معهد الدروس القضائية. فكلها اسماء يقترحها مجلس الخدمة المدنية عقب كل مباراة، فيعيّنهم بما جاءت به لوائحه.علماً انّ لمجلس الوزراء الحق برفضها او الاختيار منها، لكنه لم يفعل ذلك يوماً. وكما في هذه الحالات، يمكن لمجلس الوزراء رفض تعيين اي من الأسماء التي يقترحها الوزير، والدعوة الى فتح باب تقديم طلبات الترشيح مجدداً واجراء المباراة مرة أخرى، لتوفير الظروف التي تسمح له بتحقيق ما يصبو اليه، ويمكنه الّا يعيّن اياً من الاسماء الثلاثة التي اقترحها الوزير المختص».
وبناءً على ما تقدّم، فقد انتهى المرجع الدستوري، وبعد سلسلة ملاحظاته هذه، الى إبداء الريبة والخوف على دور المجلس الدستوري وصلاحياته في ضمان الحياة الدستورية وسلامة الممارسة. فالمجلس أعطى بقراره الأخير صلاحيات للوزير لم يضمنها او يلحظها الدستور في اي مادة من مواده. كل ذلك يجري، قبل ان يتوجّس المرجع مما يمكن ان يؤدي اليه قراره الاخير، فيتحوّل عائقاً يسدّ الطريق الى الإصلاح.