كتب إيلي الفرزلي في “الاخبار”:
مع كل استعادة للحسابات المالية، تتجدّد الأدلّة على الفوضى التي حكمت وزارة المالية لعقدين من الزمن. إنفاق لا يحترم قانون الموازنة وواردات لا تسجّل وسلف لا تدفع. تلك خلاصة إنجاز ديوان المحاسبة لحسابات عام 1997. يبقى عليه تدقيق حسابات 17 سنة. الطريق لا تزال طويلة لإعادة الانتظام المالي، وهذا يفتح المجال أمام من سرق أو هدر المال العام بأن التسوية المالية لا تزال ممكنة.
في 11 تموز 2019، أنجز ديوان المحاسبة قطع حساب عام 2017. كان الهدف إمرار موازنة 2019 في المجلس النيابي، كي لا تتكرر سابقة إقرار الموازنة دوناً عن قطع الحساب. أما الديوان، فاعتبر أن عملية التدقيق بحساب 2017، بالرغم من أن وزارة المالية أودعت حسابات الأعوام 1997 لغاية 2017، تعود إلى رغبته في تلافي أي خلل يمكن أن يتمادى زمنياً في المرحلة المقبلة وينعكس سلباً على إعداد الحسابات اللاحقة.
تم حينها تجاوز مسألة عدم التأكّد من صحة ميزان الدخول، وعدم إمكانية التدقيق بحساب المهمة أولاً، وعدم الالتزام في إنجاز حسابات كل السنوات التي سبقت تسلسلياً، من خلال الإشارة إلى أن التقرير «لا يُعتبر نهائياً لصحة الحسابات ولإبراء الذمّة، لكون المسألة مرتبطة بتدقيق حسابات المهمة عن السنوات العشرين الماضية، التي باشرها الديوان».
أنجز قطع حساب 2017 وأقرّه مجلس النواب بالتوافق السياسي، ثم عاد الديوان إلى تدقيق حسابات السنوات التي سبقت. لكن الانتقادات تركّزت على البطء في الإنجاز. مسؤولو الديوان كانوا يردّون بأن إنجاز الحسابات في «المالية» استدعى سنوات، وبالتالي لا يُعقل أن ينجزها الديوان في أشهر. مصادر مطلعة تذكّر بأن «المالية» أعدّت الحسابات التي لم تكن موجودة في الأصل، كما عمدت إلى تدقيق آلاف المستندات والبحث عن أصولها الضائعة وتكوين أرصدة الدخول، بينما يفترض بوظيفة الديوان أن تقتصر على أخذ عيّنات من الحسابات للتحقق من أن الحكومة التزمت بتنفيذ الموازنة. وهذا يعني أن التدقيق في صحة الحسابات ليس هو الغاية، بل التأكد من احترام الحكومة للموازنة وأرقامها. خلفية النقاش أنه طالما الحسابات كلها لم تُدقّق، فإن تحديد المسؤوليات المحاسبية والجزائية يبقى متعثراً. وهذا أمر يُثير الريبة بالنسبة إلى من يخشون التورط في «تسوية مالية» تضيّع الحقيقة. للتذكير، فإن الرئيس فؤاد السنيورة حاول، في عام 2006، بصفته رئيساً للحكومة، شرعنة تصفير الحسابات من خلال تقديم مشروع قانون خاص يتيح لشركةٍ خاصة التدقيق في حسابات الدولة. والأمر نفسه كرره الوزير محمد الصفدي في عام 2011.
بالنتيجة، وبعد مرور نحو عام على إنجاز قطع حساب عام 2017، أنجز الديوان قطع حساب عام 1997 نهاية الأسبوع الماضي، وأرسل تقريراً به إلى رئاسة مجلس النواب. هل هذا يعني أن كل عام سيحتاج تدقيقه إلى عام أيضاً، أسوة بما حصل مع حسابات 1997؟ ينفي رئيس الديوان القاضي محمد بدران ذلك، مؤكداً أن عام 1997 هو العام الأساس، بالنظر إلى المستندات المقدّمة من وزارة المالية، والتي لم يكن من بينها الحسابات السابقة والتي تعود للفترة من عام 1993 لغاية عام 1996، لعدم تمكّن الإدارة المالية من إعدادها. وهو إذ يؤكد أن الديوان يعطي الأولوية لإعداد قطوع الحسابات من خلال تخصيص نصف عدد المحاسبين في الديوان لإنجاز هذا الملف، فيما يعمل النصف الآخر على كل ملفات الوزارات، فإنه يتوقع أن يتم، في الفترة المقبلة، إنجاز حسابات كل سنة خلال 3 إلى 4 أشهر. هذا يعني أن إنجاز الحسابات كلها وعودة الانتظام إلى حسابات الدولة قد يتطلب ثلاث سنوات جديدة؟ يأمل بدران أن تتسارع وتيرة إنجاز الحسابات مع سد النقص في ملاك الديوان من المحاسبين، بعد إنجاز المباراة التي أقرها مجلس الوزراء لتوظيف 30 محاسباً جديداً.
نتيجة التدقيق تؤكد ما سبق أن خلصت إليه الإدارة المالية في وزارة المالية ولجنة المال النيابية. فوضى عارمة في الحسابات، ونفقات بلا قيود وسلف خزينة غير مسددة ونفقات تشكل هدراً للمال العام. وقد كانت النتيجة ظهور اختلاف بأرقام الإيرادات والمصاريف والعجز في الموازنة… مصادر مطلعة على التقرير اعتبرت أنه يشكل نسخة طبق الأصل عن تقرير 2017، وهو بالمجمل يؤكد الخلاصات التي وصل إليها فريق التدقيق في وزارة المالية. مصادر أخرى، توضح أن حساب المهمة، الذي دُقق على أساسه قطع الحساب، يقتصر على المبالغ المعروفة المصير، في حين أن هنالك مبالغ مجهولة بقيمة قد تزيد على 27 مليار دولار وردت في تقرير وزارة المالية بنتيجة تدقيق الحسابات لكل السنوات.
في التفاصيل، أكد الديوان أن هنالك تجاوزاً في الإنفاق بلغ أكثر من 47.8 مليار ليرة، وهو أمر يؤسس إلى أن هذه المخالفة هي نهج يعود إلى التسعينيات وقد استمر طوال السنوات التي تلت للديوان تم تعديل النفقات المصروفة نتيجة تدقيق وإعادة تكوين الحسابات في وزارة المالية برصيد دائن قدره 411 مليار ليرة. كما وصلت قيمة سلفات الخزينة التي اقترحت وزارة المالية إضافتها على النفقات المصروفة في ذلك العام إلى 44 مليار ليرة. وتبين وجود نفقات مدرجة في حساب المهمة غير مدرجة في قطع الحساب بقيمة 47.9 مليار ليرة، موزّعة على الشكل الآتي: 99 مليون ليرة اختلاسات، و47.8 مليار ليرة قيد مؤقت للنفقات. كذلك يتبيّن من تقرير الديوان أن أغلب واردات الخزينة من الضرائب والرسوم موضوعة في خانة غير المحصّل. على سبيل المثال، فإن رسوم الانتقال المحصّلة بلغت 46 مليار ليرة من أصل 92 ملياراً، وقد تعذّر مطابقة البقايا المدوّرة إلى العام التالي بسبب عدم توفر مستنداتها في مديرية الواردات.
وتبيّن للديوان عدم تحصيل البقايا المدوّرة عام 1997 في الأوقات المناسبة للتحصيل، ما أدى إلى سقوطها. وقد بلغت قيمتها في نهاية عام 1997 نحو 99.4 مليار ليرة. وعزت الإدارة سبب عدم الملاحقة لتحصيلها الى سقوطها بمرور الزمن عملاً بقانون موازنة عام 2004 وقرار مجلس شورى الدولة الرقم 492/2006 – 2007 الصادر بتاريخ 19/1/2009.
كما تبين أثناء التدقيق وجود أخطاء في تسجيل الواردات المحصّلة خلال 1997 وما قبل، اكتشفها فريق تدقيق الحسابات في وزارة المالية أثناء إعادة تكوين الحسابات من جديد بلغ رصيدها الصافي 63.2 مليار ليرة. وهو ما أثّر على رصيد قطع حساب عام 1997 الصادر بموجب القانون الرقم 108 (قانون قطع حساب الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 1997) بنفس القيمة.
في ما يتعلق بالمصاريف، توقّف الديوان عند النسبة الكبيرة من الاعتمادات الإضافية بالمقارنة مع الاعتمادات النهائية، والتي وصلت إلى 22.53 في المئة.
كذلك خلص الديوان إلى مجموعة من الملاحظات نتيجة التدقيق المحلي لعيّنة من الحوالات المصروفة، وأبرزها:
اعتماد تجزئة النفقات في غالبية الوزارات مع ما يرتّبه هذا الأمر من إهدار للمال العام وزيادة في حجم الإنفاق العام وفي عجز الموازنة. وقد تم ذلك بموجب قرارات للوزراء دون تبرير السبب، حيناً ومع تبريرات غير مقنعة أحياناً أخرى.
تحميل موازنة الدولة مبالغ مصروفة في أوجه إنفاق لا تستقيم مع مبدأ حفظ المال العام: هدايا وإكراميات لصحافيين، خدم، سائقين، ومرافقين أمنيين.
اعتماد آليات عمل تخالف أحكام قانون المحاسبة العمومية لجهة تنظيم اتفاقيات على سبيل التسوية بعد التنفيذ لدفع مستحقات لبعض المورّدين لقاء تقديم خدمات أو منتجات معيّنة، بحيث يتم حجز الاعتمادات اللازمة بعد ترتّب الدين على الدولة، إضافة إلى التكليف بمهمات لموظفين قبل حجز الاعتمادات اللازمة لها.
عدم إرفاق بعض الحوالات بعقود التوريد أو دفاتر الشروط أو محاضر الاستلام.
عدم الاستحصال على الموافقة المسبقة لديوان المحاسبة.
عدم إرفاق فواتير نظامية (تعديل في الرقم والتاريخ – عدم التوقيع – عدم لصق طابع مالي…).
عدم إرفاق بعض الحوالات بالمستندات الثبوتية ذات الصلة والتي تثبت التنفيذ.
وجود «حساب قيد مؤقت للنفقات» الرقم 48302 في حساب المهمة يتضمن أرصدة متراكمة منذ عدة سنوات وهو عبارة عن نفقات مصروفة غير متوفر لها اعتمادات في الموازنة كي يتم إصدار حوالات صرف بقيمتها التي تبلغ 47.8 مليار ليرة.
نظام الصرف على حساب السنة السابقة يبقى مفتوحاً في وزارة المالية بعد انقضاء المدة المتممة المنصوص عليها في المادة 80 من قانون المحاسبة العمومية أي 31 كانون الثاني من السنة التالية، الأمر الذي من شأنه أن يؤخر إقفال القيود المحاسبية وإنجاز الحسابات في المواعيد المحددة في القانون ويساهم في زيادة نفقات مصروفة على السنة المعنية المفترض قانوناً إنهاء الصرف للنفقات نهاية 31 كانون الثاني من السنة التالية فقط.
ولأنه لم يتمّ إعداد قطوعات حسابات جديدة عن تلك السنوات في ضوء تعذّر إعداد حسابات مهمة عن الأعوام المذكورة، رفع المدير العام للمالية العامة مشروع قانون إلى وزير المالية يتعلق بحسابات الأعوام 1993 حتى 1996. ويتضمن صرف النظر نهائياً عن إعداد حساب المهمة لمحتسب المالية المركزي وحساب المهمة العام وقطع حساب الموازنة العامة والموازنات الملحقة.
لا حسابات للأعوام بين 93 و96
السنة الأساس التي اعتمدت، أي سنة 1997، تغفل حقيقة أن مشكلة الحسابات تعود إلى عام 1993. لكن وزارة المالية لم تتمكن من إعدادها، لأسباب شرحتها لديوان المحاسبة في كتاب أرسلته له بتاريخ 12/2/2020، وفق الآتي:
غياب ميزان الدخول في حساب مهمة عام 1993.
حسابات بغير طبيعتها المدينة أو الدائنة بسبب تصفير ميزان الدخول وعدم إجراء عمليات التدقيق المحاسبية (السلف الدائمة، القروض، الودائع، المحجوزات…)
وجود نسختين عن حسابي المهمة لعام 1996 موقّعتين، لكل منهما مجموع ميزان خروج يختلف عن الآخر، وكلا ميزانَي الخروج لا يتطابقان مع ميزان الدخول الممكنن لعام 1997.
عدم إمكانية تبنّي الأرقام الموجودة، إذ لا يمكن تبريرها أو إرفاق لوائح اسمية أو مستندات ثبوتية بشأنها.
عدم اعتماد المكننة، ما اضطر فريق التدقيق في وزارة المالية للعودة الى المستندات الورقية المتوفرة والتي كانت بمعظمها غير صالحة ولا يمكن قراءتها نتيجة حالة التلف الذي تعرّضت له بسبب عدم تخزينها بطريقة صحيحة، إضافة إلى أنها لم تكن كافية بسبب فقدان السجلات نتيجة الحريق الذي تعرضت له دائرة المحاسبة والصناديق وتتابع نقل السجلات من مكان إلى آخر.
اعتماد نظام القيد المفرد في حينه وليس نظام القيد المزدوج.
القرارات القضائية الصادرة عن ديوان المحاسبة والتي أثبتت عدم صحة الحسابات في حينه وتغريم الموظفين القيّمين على هذه الحسابات نتيجة فقدان سجلات المحاسبة.