منذ أن بدأ انحدارُ لبنان نحو «الجحيم» المالي – الاقتصادي، لم يسبق أن تبلْورتْ صورةٌ مخيفةٌ أكثر من التي ترتسم تباعاً من قلب الواقع الدراماتيكي الذي تحوّلت معه البلاد أشبه بـ«الرجل المريض» الذي ينخر جسدَه النحيل «ورمُ» التعثّر الخبيث والذي يسير فوق «خط الزلازل» الإقليمية، لتكتمل فصول «فيلم الرعب» الطويل مع ملامح انهيار «الدفاعات» أمام فيروس كورونا المستجد، الذي بدأ مساره «المتوحّش».
وفيما كانت الأنظارُ شاخصةً على الرسائل التي تطايرتْ من «التحرّش» الأميركي في سماء التنف بطائرة الركاب الإيرانية التي كانت متّجهة من طهران إلى بيروت، وسط استمرار حال الترقُب للردّ «الأكيد» الذي سيقوم به «حزب الله» على مقتل أحد عناصره في غارة نفّذتْها اسرائيل في محيط مطار دمشق والذي تجري «حياكته» بما يخدم تجديد صلاحية «استراتيجية الردع» وفي الوقت نفسه «تفادي الدوس على لغمٍ» يمكن أن يُشعِل حرباً لا يريدها الحزب، جاء صوتُ «طبول» التحذيرات من «السيناريو الأسوأ» الذي يطرق لبنان أبوابَه «كورونياً» أعلى من نفير الـ«أرض – جو» على الجبهات الساخنة كما النائمة في المنطقة وحتى من التحذيرات التي حَمَلها وزير الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان لكبار المسؤولين من أن «بلدكم اليوم على حافة الهاوية… إذا لم يتم اتخاذ خطوات، فقد يذهب إلى الهلاك» راسماً وعلى طريقة «أشهد اني بلغت» معادلة «الإصلاح والنأي بالنفس، وإلا لا مساعدات دولية».
وغداة تسجيل لبنان 147 إصابة جديدة بـ«كورونا» والكشف عن 6 وفيات في 24 ساعة (الحصيلة الأكبر من الوفيات ليوم واحد)، وسط مؤشراتٍ إلى أن المنحى التصاعدي للحالات الايجابية سيستمرّ في الأيام المقبلة، تقاطعتْ إشاراتٌ مخيفة قُرع معها ناقوس الخطر الأعلى حيال ما يتربّص بالبلاد التي رفعت سلطاتُها الصوتَ «المرتعد» من دون أن تُبرِز اتجاهاتٍ لإجراءاتٍ زاجرة يمكنها وقف «التزامن القاتل» بين بلوغ «كوفيد – 19» ذروته وبين حلول الموجة الثانية المرتقبة في سبتمبر، في ظلّ مفاضلةٍ «مميتة» ركنتْ إليها الحكومة بين «الدولارات الطازجة» التي تدخل عبر مطار بيروت مع الوافدين وغالبيتهم من المغتربين، بما يسدّ ثقباً صغيراً في «السفينة» التي تأكلها «الثقوب السود»، وبين تحصين البلاد أمام الاتجاه «الفتّاك» الذي يسلكه الفيروس الذي يُخشى أن يواجهه اللبنانيون بـ«اللحم الحي» في ظل شعار «لن نقفل البلد ولن نقفل المطار».
واستوقف أوساطاً سياسية «استنفار الحدّ الأقصى» الذي عكستْه سلسلةُ مواقف مُقْلِقة لمسؤولين مباشرين عن ملف «كورونا»، بما طَرَح علامات استفهام حول إذا كان هذا الأمر في سياق تحضير الأرضية لخطواتٍ تم التمهيد لها الجمعة، عبر توصياتٍ بالعودة إلى القفل الجزئي (لمدة أسبوع) لكلّ من الحانات والنوادي الليلية والمسابح الداخلية والحفلات التي تقام في الشواطئ والمسابح والمسارح وصالات السينما ومراكز الألعاب الالكترونية للأطفال وملاهي الأطفال (الداخلية والخارجية) والصالات الرياضية.
في هذا الإطار، برز إعلان وزير الصحة حمد حسن أنه «للأسف منذ الأول من تموز صارت حالات كورونا منتشرة في المناطق كافة، وبالتأكيد اللجنة الوزارية ستأخذ الاثنين بتوصيات اللجنة الفنية، وستكون لدينا إجراءات صارمة وإلزامية بالتقيد، ويجب تنظيم محاضر ضبط بحق مَن لا يلتزم بالكمامة، وتوقيف القادم من الخارج الذي لا يلتزم بالحَجْر»، مؤكداً «الموضوع لم يعد مزحة، بالأمس يدخل مريض الساعة العاشرة صباحاً ويموت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، لأن بعض المستشفيات رفضت استقباله (…) همّنا أن تمرّ الجائحة بأقل عدد وفيات، لأنه في خلال الساعات الـ24 المنصرمة كان لدينا 4 وفيات وارتفع العدد إلى 6، أي أن الموضوع أخذ منحى جدياً وخطيراً».
وفي حين كان رئيس لجنة الصحة البرلمانية عاصم عراجي يحذّر من أن هناك 2500 سرير في المستشفيات مخصص للعناية الفائقة وتم استخدام 1700 حتى الآن وبقي 800 سرير فإذا تفشى كورونا أكثر واضطررنا لاستخدام هذه الأسرة فسنكون أمام كارثة كما حصل في ايطاليا، في موازاة تأكيد عضو لجنة الطوارئ الحكومية والاختصاصي بالأمراض الجرثومة جاك مخباط «اننا بلغنا الخط الأحمر من حيث عدد الاصابات»، داعياً «لمعاودة إغلاق البلاد والمطار»، توّجت بترا خوري، مستشارة رئيس الحكومة حسان دياب للشؤون الطبية هذا المناخ المُرْعب بتغريدة أعلنت فيها «كوفيد – 19 يضرب مجتمعنا بقوة خصوصاً جيل الشباب بين 10 و19 عاماً».
وأضافت: «سنبدأ قريباً برؤية مشاهد مروّعة في مستشفياتنا مثل دول أخرى. وعلى هذه الوتيرة أسرّة المستشفيات في العناية الفائقة ستمتلئ بحلول 14 آب (…) نحن في مرحلة خطيرة».
وأتت هذه التحذيرات على وقع مفارقاتٍ خطيرة حملتْها أرقام الإصابات في الأيام الأخيرة وبينها ارتفاع عدد الحالات التي تتطلب إدخالها إلى غرف العنائية الفائقة بنسبة 25 في المئة بين 20 و24 تموز، وتسجيل إصابات تصاعُدية في صفوف الفئات العمرية بين 10 و19 وبينها حالات استدعت دخول المستشفيات (الجمعة أُعلن عن حالتين لطفلين في التاسعة و12 والأخير كان يعاني من السرطان)، ناهيك عن أن بين وفيات الجمعة، شاب في الـ22 من العمر ورجل في الـ47 لم يُعلن أنهما كانا يعانيان أي مشاكل صحية سابقاً.
وشكّل تطوّران بارزان مؤشريْن إضافييْن إلى أن لبنان أمام منعطف حَرِج بإزاء «كورونا»، أوّلهما إرجاء تيار المستقبل مؤتمره العام نتيجة تفشي الجائحة. وثانيهما، الفيديو النادر الذي أطلّ فيه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله على جمهوره مرتدياً كمامة ومتحدّثاً عن الوباء قائلاً «بالصبر والمقاومة والتحمل والاجراءات واتباع الضوابط… ننتصر في هذه المعركة».
وكان «كورونا» خيّم على اليوم الأخير من محادثات لودريان في بيروت الجمعة، بعدما أُعلن أن مدير مكتب وزير الخارجية اللبناني هادي الهاشم تبلّغ الخميس خلال غداء على شرف الوزير الفرنسي كان يشارك فيه مع مسؤولين لبنانيين آخرين، أنه مصاب بالفيروس.