من كل حدب وصوب باتت المصائب والمخاطر تحيط بلبنان وفتائل الانفجارات تسابق بعضها بعضاً على مختلف جبهاته الداخلية والحدودية. فعلى جبهة الداخل تتعاظم التحديات، اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وصحياً، والسلطة غارقة في مستنقع “النقّ” تشكو وتلوم وتستغيث ولا تأتي بحركة يُعتد بها على طريق انتشال اللبنانيين من قعر الأزمة، وها هي تعود اليوم إلى تخبطها في مواجهة “كورونا” حتى أصبح البلد بين “دلع” و”هلع” على شفير انفجار وبائي يتهدد بانهيار الأرضية الاستيعابية للمستشفيات ومراكز الحجر على امتداد الخريطة اللبنانية. أما على جبهة الحدود الجنوبية، فمنسوب الغليان يتزايد ووتيرة التوتر ترتفع على ضفتي الجبهة، حيث وصفت مصادر ميدانية الوضع القائم بأنه أشبه بـ”النار والبارود”، محذرة من أنّ “أصغر شرارة قد تؤدي إلى اشتعال الوضع وانزلاق الأمور إلى مواجهة عسكرية قد تبدأ محدودة لكنّها قد لا تنتهي كذلك”.
وإذ أكدت أنّ “كلا الجانبين على الحدود يبدوان متحسبين لاندلاع المواجهة”، لفتت المصادر لـ”نداء الوطن” إلى أنهما في الوقت نفسه يتعاملان مع الوقائع المحيطة بساحة المواجهة على قاعدة “إبداء الجهوزية للمعركة وكأنها ستقع غداً، لا سيما وأنّ الواقع العسكري والأمني والاستخباري يفيد بأنّ كل الاحتمالات مفتوحة و”ساعة الصفر” واردة في أي لحظة”. وفي هذا الإطار، برز الحشد السياسي والعسكري على الجبهة الشمالية لإسرائيل تحسباً لعملية يقوم بها “حزب الله” من الحدود اللبنانية الجنوبية رداً على استهداف أحد قادته في سوريا، وسط تهديدات متوالية يطلقها الإسرائيليون للحكومة اللبنانية تحملها مسؤولية أي عمل عسكري يقوم به الحزب ضد أهداف إسرائيلية. وبهذا المعنى لم يتردد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتأكيد في مستهل جلسة حكومته أمس على أنّ “سوريا ولبنان يتحملان المسؤولية عن أي اعتداء على إسرائيل ينطلق من أراضيهما”، مشدداً على أنّ “تل أبيب لن تسمح لإيران بالتموضع عسكرياً عند حدودها الشمالية” مع لبنان، ليشير في هذا السياق إلى أنّ القوات الإسرائيلية “مستعدة للرد على أي تهدید كان” وأنه لهذه الغاية يعقد جلسات مستمرة لتقييم الموقف مع وزير دفاعه بيني غانتس ورئيس هيئة الأركان العامة أفيف كوخافي، وقد تقرر إرسال تعزيزات من قوات المشاة إلى الجبهة الحدودية مع جنوب لبنان، حسبما أعلن غانتس الذي كان قد توجه في جولة حدودية إلى “الأعداء” بالقول: “لا أنصحكم بأن تجربونا”.
وبالعودة إلى تحديات “كورونا”، فكل التصريحات والمؤشرات الرسمية والطبية تؤشر إلى دخول لبنان في دائرة الخطر الداهم جراء التفشي المطرد للوباء يومياً فضلاً عن تسجيل ارتفاع ملحوظ بأعداد الوفيات، ما عزز المخاوف من “خروج الأمور عن السيطرة حكومياً وصحياً واستشفائياً” وفق تعبير أوساط طبية لـ”نداء الوطن” منبهةً إلى أنه “في حال لم يتم تدارك الوضع الوبائي بالسرعة اللازمة فإنّ البلاد ستكون حكماً أمام سيناريوات تراجيدية تفوق القدرة على المواجهة”. وأوضحت أنّه “إذا كان صحيحاً أنّ على الناس أن يتكلوا على أنفسهم حرصاً على أرواحهم وعلى الأرواح من حولهم لأنّ الحكومة عاجزة وغير مؤهلة لحمايتهم من خطر الوباء، لكن يبقى أنّ هذا العذر لا يعفي السلطة من مسؤولية المبادرة والقيام بما يلزم من تشدد في الإجراءات الاحترازية والزجرية بدل أن تكتفي بإلقاء اللوم على المواطنين والمقيمين والوافدين في أسباب تفشي الوباء”، مشددةً في هذا المجال على “ضرورة أن يخرج مجلس الدفاع الأعلى في اجتماعه المرتقب هذا الأسبوع بتوصيات وقرارات حازمة بمعزل عن أي خشية من توقف الدورة الاقتصادية، المتوقفة أساساً، في البلد”.
أما في مستجدات الأزمة المالية، فقد برزت خلال الساعات الأخيرة معطيات تتحدث عن حذر مصرفي في التعاطي مع ملف التدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان، إذ نقلت مصادر مطلعة على هذه المعطيات لـ”نداء الوطن” هواجس تتملك بعض المعنيين بالقطاع المصرفي حيال هذا الملف لاعتبارات عدة أولها “عدم الثقة بالسلطة السياسية التي يبدو جلياً من أدائها أنها معنية باتخاذ خطوات كيدية ضد حاكم المصرف المركزي والمصارف عموماً أكثر منها خطوات إصلاحية وإنقاذية، وأغلب الظن أنّ التدقيق الجنائي بالحسابات لن يخرج عن هذا الإطار. وبينما يؤكد هؤلاء أنّ عملية التدقيق لا بد منها لإعادة الانتظام إلى الحسابات العامة وتحديد الأرباح والخسائر في الخزينة، غير أنهم لا يرون أنّ التوقيت الراهن هو التوقيت المناسب لهذا الإجراء، لأنه لن يحقق سوى مضاعفة انعدام الثقة بالبلد وبقطاعه المصرفي، في وقت اللبنانيون هم أحوج ما يكون إلى استعادة هذه الثقة داخلياً وخارجياً للخروج من الأزمة”.