Site icon IMLebanon

لبنان ومفوضية اللاجئين: اتفاق بعد خلاف.. ماذا عن العودة؟

كتب عمّار نعمة في صحيفة “اللواء”:

بعد مرحلة طويلة من الخلاف حول مضمون قضية عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بين لبنان و«المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» «UNHCR»، ظهر توافق بعد ليونة مستجدة أبدتها المفوضية التي غالبا ما خرجت بموقف معارض، مدعوم دولياً، لدعوات إعادة اللاجئين إلى سوريا خشية عليهم.

قد تكون هذه الليونة بين الطرفين شكلية ومن الواضح أن عودة اللاجئين من لبنان الى سوريا لا زالت بعيدة ولم تنضج ظروفها بعد. لكن الحكومة حاولت تحريك المياه الراكدة للموضوع عبر إقرار الورقة السياسية العامة لعودة اللاجئين في مجلس الوزراء قبل أيام. وقد أثار المسؤولون الرسميون وغيرهم من اللبنانيين موضوع اللاجئين مع الدول المعنية، وكان آخر تلك المحاولات مع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي تبلغ الهواجس اللبنانية من الأعباء التي يلقيها موضوع اللاجئين على البلد، اقتصاديا وديموغرافيا وأمنيا، وهو تعاطف مع تلك الدعوات بينما تبقى العبرة في موقف دولي وأوروبي جديّ الأمر الذي ليس ظاهراً في الأفق، ناهيك عن ظروف موضوعية سورياً لم تُوفر لطمأنتهم للعودة الى داخل أراضيهم.

تنسيق «حصري» مع دمشق

ومن ناحية لبنان، فهو استقبل اللاجئين السوريين على دفعات منذ بدء الأحداث السورية قبل سنوات تسع ليبلغ عدد هؤلاء نحو مليونا ونصف مليون نازح عاشوا ضمن الجغرافيا اللبنانية.

وقد تلقى لبنان مساعدات من المجتمع الدولي لمعاونته ولتمكين اللاجئين من مواجهة ظروفهم الصعبة، إلا أن السلطات اللبنانية، على اختلافها وتعاقبها، أشارت الى ان تلك المساعدات، «المشكورة والفعالة»، لم ترق الى تمكين لبنان من تحمل أعباء هذا الملف كونها لم تكن على مستوى طلبه في شكل كامل، خاصة في ظل أزمة الاقتصادية المتصاعدة.

جاءت تلك الأعباء في ظل ظروف لبنانية داخلية جد صعبة وخلافات بين أركان السياسة خاصة حول البند الخلافي المتعلق بالنأي بالنفس الذي تبيّن أنه غير فعّال. واليوم، تأتي خطة الحكومة للعودة كسابقة في هذا الموضوع، لتشكل ما تريد الحكومة أن تكون خارطة طريق تقنية للمعالجة عبر عودة «كريمة وآمنة».

تواءم هذا الأمر مع إيجابية أممية وخاصة بعد إحصاءات لمنظمة شؤون اللاجئين بيّنت أن 89 في المئة من هؤلاء يرغبون في العودة الى بلادهم.

تعلم الحكومة تماما أن هذا الأمر الضخم يتطلب تسهيلات وضمانات قد لا تكون متوافرة ومنها ما يتعلق بالسلطات السورية، لكنها شرعت بخطة ذات أبعاد ثلاثة لتضمن سلامة العائدين. يتعلق أولها بالداخل اللبناني عبر تقديم تسهيلات وضمانات وتوفير ثقة مع هؤلاء وإبداء التعاون في إطار خطة الاستجابة للأزمة التي تندرج خطة العودة ضمنها، بالتنسيق مع الأمن العام اللبناني.

ويتعلق البعد الثاني بما هو أكثر دقة وصعوبة: التنسيق والتعاون مع الدولة السورية. فالأولوية هي لضمان عودة اللاجئ السوري سالماً ومضمون الحقوق، وكان لزاماً على لبنان التواصل مع الجهة التي تضمن هذه السلامة وهي «دولة المصدر» التي تشكل العامل الأساسي لتلك السلامة، عبر تعاون وتنسيق وإنشاء لجان مشتركة بين الجانبين من بينها الوزارات المعنية، على أن يقتصر الأمر على ما يتعلق بملف اللاجئين حصراً لكي لا يشكل هذا التعاون مسألة خلافية تضيف زيتاً على نار الخلافات المستحكمة في البلاد، وقد قام وزير شؤون المهجرين رمزي مشرفية بزيارة دمشق مؤخرا لبحث سبل التواصل على هذا الصعيد كون وزارته هي المعنية بالموضوع تبعاً للورقة التي أقرتها الحكومة.

وإضافة الى هذين العاملين، هناك البعد الدولي، فلبنان دولة صغيرة لا تستطيع إدارة الموضوع في شكل منفرد وهي في حاجة الى ضمانات دولية ومن المنظمات الأممية للمساعدة على بناء الثقة عند اللاجئين. لذا تبدو الحاجة ماسة الى التعاون مع المجتمع الدولي وأصدقاء لبنان ومع الأمم المتحدة بكل قطاعاتها وخاصة تلك التي تُعنى باللاجئين.

الخطة التي تشدد الحكومة على أنها تراعي القوانين والنظم الدولية واحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية كما احترام الحق الأسمى للاجئ السوري الذي يجب أن يكون حق عودته مقدساً، لا يبدو تطبيقها قريب المنال حتى أن الحكومة لم تحدد إطاراً زمنيا ملزما لها في زمن «كورونا» الصعب الذي أضاف الصعوبات على هذا الملف الشائك.

تعزيز الأوضاع

في موازاة ذلك، شرعت «مفوضية اللاجئين» في تعزيز حضورها على الأراضي السورية حيث وجودها الأكبر، وهي قامت بتوسيع مخيماتها وتدعيم البنى التحتية والتركيز على الجانب الإنساني بما فيه التربوي، وفي الفترة الأخيرة شرعت في زيادة التنسيق بين قسميها في سوريا ولبنان وخاصة مع الحكومتين في البلدين.

ويتمحور العمل اليوم على بناء الثقة لدى اللاجئ كونها المفتاح الأساس لعودته والعنصر المحفز لها، لكن الأمر دونه صعوبات كبيرة وكثيرة أولها تطمين اللاجئ بـ«سلامته» حين عودته وعدم إثارة أي ملف أمني يتعلق به من قبل السلطات السورية. على أن الجميع يعلم أن قرار العودة يتعلق بعنصر الأمان على كامل الاراضي السورية وهو ما لم يتحقق حتى الآن، إذ من شأن هذا العامل تعبيد الطريق أمام إعادة بناء هذا البلد وإعماره الذي ليس ظاهراً حتى اللحظة كون عملية إعادة الإعمار ذات بعد سياسي دولي.

لكن في هذه الأثناء، ثمة عمل على الأرض ستكشف الأشهر المقبلة مدى نجاعته، والجديد أن المفوضية ستوفر المشورة عبر خبرتها العالمية الكبيرة في هذا المجال، علماً أن المفوضية نفسها تقر بأن قرار العودة فردي ويتعلق بظروف اللاجئين، لذا فهو طوعيّ وغير قسريّ.

وتأمل الحكومة أن تشكل خطتها أساسا متقدما على صعيد مسار للعودة بدأ منذ العام 2016، لكنه يسير بوتيرة بطيئة قياسا الى عدد اللاجئين في لبنان وقدرته المحدودة على المبادرة وحيداً في الماضي تقريبا على هذا الصعيد.

طلب استثناءات من «قيصر»

واليوم، مع بدء تطبيق «قانون قيصر» الأميركي حول سوريا، تبدو الأمور أكثر صعوبة على خط التنسيق مع النظام هناك.

وبينما تريد الحكومة استثناءات أميركية تشمل من بينها قضية اللاجئين مع اعتبار الحكومة أن لبنان لا يستطيع انتظار الحل السياسي في سوريا خشية تكرار السيناريو الفلسطيني على أراضيه، فإن لا عودة جديّة للاجئين السوريين من لبنان الى ديارهم من دون ضمانات تتعلق باستمرار المساعدات الدولية الموفرة لهم في لبنان في حال عودتهم الى بلادهم، وسيتخذ مسار سلامتهم وعائلاتهم وقتاً طويلاً حتى يتم وقد يصطدم بعثرات كثيرة ومتنوعة.