المرة الأخيرة التي زار فيها، رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي الجنرال مارك ميلي، إسرائيل كانت قبل فترة قليلة من اغتيال اللواء قاسم سليماني في مطار بغداد في أوائل يناير الماضي… وهو قام قبل أيام بزيارة جديدة التقى خلالها وزير الدفاع بيني غانتس ورئيس الأركان أفيف كوخافي ورئيس جهاز «الموساد» يوسي كوهين. واعتُبرت هذه الزيارة التي دامت لساعات، في إطار مواجهة إيران وحلفائها في الشرق الأوسط، وخصوصاً الخطر الذي يمثّله «حزب الله». وقد قام الجيش الإسرائيلي في هذا الوقت، بنشْر مدفعية ثقيلة وقوات إضافية على الحدود الشمالية.
فهل هذا من باب التهويل والاحتياط، أم أن أميركا وإسرائيل تتحضّران لتغيير قوانين اللعبة؟ أم هي مجرد تدابير دفاعية؟ ومتى سيردّ «حزب الله» على إسرائيل التي قتلتْ أحد عناصره في غارةٍ على سورية الأسبوع الماضي؟
فتحتْ القوات الإسرائيلية، أول من أمس، النارَ على حركةٍ مشتبَه بها في مزارع شبعا المحتلة، تَبيّن أنها كانت ناتجة عن توتّر الجيش وكثافة الإجراءات الأمنية من قبل قواتها المنتشرة على طول الحدود اللبنانية.
ومن المحتّم أن يهاجم جيشٌ، عدواً غير موجود يَنْتَظِرُ الهجومَ، ويعلم أن حكومته ستتقبّل الخسائر وتقْلب الصفحة، وبالتالي تُطلق النار على العدو غير الموجود. وجاء ردّ «حزب الله» بالقول إن إسرائيل كانت تطلق النار على «عدو وهمي» لأنها في حال هلع وتوتر وستتحمّل مسؤولية تدمير منزل لبناني خلال قصف مدفعيتها للأراضي اللبنانية. وأنهى الحزب بيانَه متوجّهاً لإسرائيل… «انتظِروا العقاب».
وقد أَمَرَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وزراءه بعدم التحدّث بالواقعة لخجَله من تصرّف الجيش. إلا أنه أضاف أن «لبنان وسورية مسؤولان عن أي هجوم ونحن جاهزون للرد».
أما وزير الاستخبارات إيلي كوهين، فأعلن أن «أي عمل سينتهك سيادتَنا سيُقابل بردٍّ قوي، وننصح أعداءنا بعدم اختبارنا».
وتحدّث المراسل العسكري لقناة الـ13 أور هيلر، عن أن كوخافي زار الحدود مع لبنان وقال لقادة اللواء 91 الذي يتجهّز لعملية انتقامية (بعدما انضم إليه لواء غولاني) إن «التوترات ستستمرّ خلال الأيام المقبلة وحزب الله سيردّ قبل عيد الأضحى»، يوم الخميس.
إلا أن ما قاله كوخافي «هو مجرّد تكهّن لأن قرارَ الردّ أصبح بيد حزب الله علناً، وما يحاول فعله رئيس الأركان يقتصر على التخفيف عن جنوده والإيحاء لهم بأن بقاءهم في حال الاستنفار لن يدوم طويلاً، علماً أن الردّ مستبعَد قبل أسبوع على الأقلّ لأنه يراد إذلال العدو عبر استنزاف تدابيره وإفهامه أن عليه أن يحترم قواعد الاشتباك التي فرضها حزب الله بعد عملية أفيميم وليُمْضِ أهل الجنوب عيدهم بأمان، إلا إذا استحضر القادة هدفاً لا يُفوَّت»، بحسب ما قال لـ «الراي» مصدر في «محور المقاومة، قبل أن يضيف أن «إجراءات اللواء 91 تحت المجهر وهي إجراءات دفاعية واستحكامات وإغلاق طرق تؤدي إلى الحدود ورفْع مستوى اليقظة، ولا قرائن لتدابير هجومية تُسجل».
من هنا، جاء وصْف قائد المنطقة الشمالية الجنرال امير بارام، الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بأنه «بطل العالم في الحرب النفسية».
أما عن مجيء حاملة الطائرت الأميركية «يو اس اس نيميتز» إلى البحر المتوسط، فقال المصدر إن «إسرائيل تستطيع القيام بمئات الطلعات الجوية اليومية، وهذا أكثر بكثير مما تستطيع أن تقدّمه حاملة الطائرات. نعم القوة النارية التي تقدّمها الزوارق الحربية المُرافِقة لها من صواريخ مجنّحة هي عنصر معنوي مُساعِد يهدف لمشاركة أميركا في أي حربٍ تخوضها إسرائيل. ولكن لا شيء جديداً في الأفق، لأن إسرائيل وأميركا شاركتا دائماً في الحروب على حزب الله ومحور المقاومة، إن في سورية أو لبنان أو العراق».
وأشار المصدر إلى أن «حزب الله لا يميّز بين العلميْن الأميركي والإسرائيلي على الطائرة التي تضرب أهدافها. فكلها تُعتبر إسرائيلية وكلّها تهدف للغاية عيْنها، وتالياً فإن الردّ سيكون في قلب تل أبيب. وكل الأهداف الموجودة في بنك الأهداف تصبح مشروعة بحسب ما تراه القيادة العسكرية مُناسِباً. إلا أن احتمال الحرب ما زال ضعيفاً».
وبدا لافتاً ما قاله النقيب السابق في جهاز الاستخبارات ورئيس تحرير راديو KOL الإسرائيلي يوني بن مناحيم، عن أن «إسرائيل تستغلّ آخِر أيام ترامب لحرْق إيران». والكلام عن إيران لا يعني «الجمهورية الإسلامية» فحسب بل حلفاءها أيضاً وعلى رأسهم «حزب الله».
وثمة اقتناعٌ بأن إسرائيل لا تحتاج ذرائع لشنّ الحروب إذا اتخذتْ قرارَها بذلك، إلا أنها لم تَعُدْ في موقعٍ تُحسد عليه بعدما تعاظمتْ قدرات «حزب الله» التجهيزية والقتالية. فإسرائيل اتخذت تدابير دفاعية بنشْر عددٍ من منظومات الصواريخ الاعتراضية تحت مسمى «القبة الحديد» شمال فلسطين وبمواجهة المطلّة، وأخرى بمواجهة جبل الشيخ والجولان المحتل.
وكل هذه التدابير لمواجهة ما تخشاه من الردّ الذي تعتقد أنه يمكن أن يأتي من سورية أو لبنان أو من جبهات عدة. وأكثر ما يُقْلِقُها اليوم الصواريخ الدقيقة وكذلك قوة «الرضوان»، وهي الوحدات الخاصة التابعة لـ «حزب الله» والموجودة على الحافة الأمامية.
وحاولتْ إسرائيل عبر أميركا تعديل مهمات «اليونيفيل» في جنوب لبنان لتقوم بالتفتيش في كل المناطق وإرباك انتشار «الرضوان». إلا أن هذه المحاولة لم يُكتب لها النجاح لرفض الدولة اللبنانية أي تعديل في مهمات القوة الدولية.
ويسود الاعتقاد بأن الرئيس دونالد ترامب يبحث عن انتصارٍ في المئة يوم المتبقية من ولايته. إلا أن محاولة اغتيال قادة «حزب الله» أو الذهاب إلى حربٍ على لبنان يمكن – بحسب المصدر – أن يغيّر وجه لبنان ويُحْدِث تدميراً لم تعرفه إسرائيل قط.
ومن هنا كانت الرسالة التي بعثتْ بها إسرائيل إلى «حزب الله» عن طريق الأمم المتحدة فحواها بأنها لم تكن تعلم أن أحد عناصره موجودٌ في مطار دمشق حين قصفتْه، وأنها غير معنية بالتصعيد. وهذا يعني أن إسرائيل لا تبحث عن المواجهة المباشرة وأنها تتخذ كل التدابير التي تمنع الحزب من قتْل جنودها كي لا تزداد أزمتها الداخلية أكثر مما هي عليه اليوم، وخصوصاً أن نتنياهو مُطالَب بالتنحي.
مجرد «رسالة» كهذه، تعني أن إسرائيل اعترفتْ بتفوّق عدوّها وفقدتْ «تَوازُن الردع» وسلّمت بعجْزها في السياسة الاستباقية التي عُرفتْ بها، وخضعتْ لقواعد الاشتباك التي يفرضها «حزب الله» وإلى غير رجعة.
وما تكثيف طلعات الطائرات المُسيَّرة والحربية إلا محاولة تهويل نفسية لثني الحزب عن أي ضربةٍ يريد القيام بها وتسخين الجبهة. ولكن، بحسب التجربة، تَعتبر المصادر أنه «عندما يُتخذ القرار، لا تؤخذ هذه الإجراءات في الحسبان، إلا أن حزب الله قرّر… التزام الصمت».