Site icon IMLebanon

الأزمة “تُعرّي” لبنان من “العلامات التجارية”

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

لم يظن أصحاب “تراخيص الامتياز” ان اطفاء الشمعة 14 من عمر مشروعهم سينشر العتمة في كل الوطن. فعندما اجتمعوا في العام 2006 ببوتقة “الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز” أو ما يعرف بـ “الفرانشيز”، كانوا يهدفون إلى اضاءة البلد بعلامات تجارية تحفّز التغيير وتحقق الرخاء الاقتصادي والمجتمعي.

في المجمعات التجارية الكبيرة، كما في الكثير من الاسواق التجارية أطفأت الكثير من المؤسسات انوارها وانسحبت بهدوء. لم يبق من أثرها إلا علامة تجارية ملونة، مبدعة وجميلة تدل على ان هذه “الماركة” مرت من هنا!

معاناة العلامات التجارية

العلامات التجارية المنضوية تحت جمعية “الفرانشيز” تقسّم إلى قسمين: أصحاب الامتياز FRANCHISORS وهي الشركات والعلامات التجارية المحلية التي تقدم المنتجات والخدمات بقالب مبدع وبمفهوم حديث ومتطور. والامتيازات FRANCHISEES وهي العلامات التجارية الاجنبية المستجلبة إلى لبنان عبر وكلاء لبنانيين أو أجانب تقدّم الخدمات بنفس الجودة والنوعية التي تعمل بها هذه المؤسسات في الخارج.

شكلت هذه العلامات على مدار السنوات الماضية رافعة للاقتصاد اللبناني. فهي تساهم سنوياً بنحو 4 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي أو ما يشكل 2.3 مليار دولار، في حال اعتبار ان الناتج كان يقدر بـ 58 ملياراً في السنوات الاخيرة. وهي تضم سلعاً ومنتجات تتوافق مع جميع الميزانيات. حتى انه يستحيل على أي قاطن في لبنان ان يمضي يوماً من دون ان يستهلك واحداً أو أكثر مما تقدمه.

“هذه المروحة الواسعة من المؤسسات في الصناعة والمطاعم والملبوسات والاكسسوارات وأدوات التجميل… تتأثر تباعاً بالازمة، إنما بنسب متفاوتة لغاية الآن”، يقول رئيس جمعية تراخيص الامتياز في لبنان يحيى قصعة. فـ”قطاع بيع التجزئة للأدوات المنزلية والملابس والمنتجات الفاخرة كالساعات يتدهور بشكل أسرع من غيره. وقد بلغت نسبة التراجع في هذه المجالات في نهاية العام 2019 حوالى 50 في المئة عن العام 2012. في حين ان قطاع الاستشفاء مثلاً ومستحضرات التجميل كان أفضل حالاً”.

لعنة الأزمة

لعنة الأزمة الاقتصادية تلاحق “أصحاب الامتياز” و”الامتيازات” من دون تفرقة، ولو ان الامتيازات تظهر انها متضررة أكثر. فهذه الاخيرة ملزمة بتطبيق شروط المؤسسات الام واحترام المواصفات العالمية في الشكل والمضمون. وهو ما أصبح يرتب عليها عبئاً كبيراً في ظل تراجع حركة البيع واضطرارها إلى الاستيراد بالدولار في حين انها تبيع بالليرة اللبنانية. وبحسب الـ FRANCHISEE وائل سنو فان “المستهلك يقارن دائماً بين اسعار المنتجات الموجودة في لبنان مع مثيلاتها في الخارج. وبالتالي فان الاختلاف بالسعر نتيجة الازمة النقدية سيفقده الثقة بالتاجر اللبناني ويدفعه إلى الاحجام عن الشراء”.

هذا الواقع دفع العديد من العلامات التجارية مثل شركة Adidas إلى اتخاذ القرار بالانسحاب من السوق اللبناني. فأسعار منتجاتها في لبنان ستصبح أعلى من الاردن بعدة مرات. وهو الامر الذي يضر بسمعة وصدقية العلامة التجارية.

هذا ويتعاظم الخلاف بين مستوردي الامتيازات والمؤسسات الام في الخارج على طريقة دفع حقوق الملكية. “فهل ندفع مثلاً على اساس سعر 4 آلاف أم 10 آلاف في ظل التقلبات المستمرة بسعر الصرف”، يسأل سنو ليضيف انه “بجميع الحالات نتحمل خسائر كبيرة وتراجعاً هائلاً في حجم البيع تجاوز نسبة الـ 50 في المئة في الكثير من القطاعات”. والاخطر، برأيه، هو “ارتفاع معدلات التهريب وادخال نفس البضائع وبيعها بأسعار أقل من اسعارنا. لان المهربين لا يدفعون الضرائب والرسوم وحقوق الملكية وغيرها الكثير من التكاليف”. الأخطر ان معظم مستوردي الامتيازات بدأوا يتحدثون جدياً عن “الموعد الأخير” للاقفال وهو لن يتجاوز بالنسبة للكثير منهم نهاية هذا العام.

أصحاب الامتياز يغادرون

لكن هذا لا يعني ان ظروف “اصحاب الامتياز” المحليين افضل حالاً. فهم يواجهون أيضاً مشاكل كبيرة بالاستيراد. وبحسب مدير العمليات في محلات عبد الرحمن الحلاب – قصر الحلو رنيم حلاّب فان “تراجع حجم السيولة يعتبر المشكلة الاساسية التي تواجه اصحاب الامتياز لاستيراد المواد الاساسية وتصدير متطلبات الفروع المنتشرة في الخارج”. بالنسبة إلى مؤسسة “قصر الحلو” فان “استيراد مواد الصناعة مثل الفستق والحليب والطحين أصبح مكلفاً جداً وهو يتطلب وجود سيولة كبيرة بشكل دائم. وبالتالي فان عدم القدرة على الدفع يعني عدم القدرة على التصنيع وارسال البضائع إلى الفرانشيز اي المؤسسات الموجودة في الخارج”.

المصنع الاساسي لـ “قصر الحلو” موجود في لبنان مضافاً اليه 11 فرعاً في الداخل و5 فروع في الكويت وفرعين في المملكة العربية السعودية وفرع واحد في الاردن. والخطورة بحسب حلاّب ان “علامات الامتياز المنتشرة في الخارج لن تستطيع الصمود في حال كانت الوحدة المركزية لها الموجودة في لبنان غير قادرة على الصمود. الامر الذي سيضطرنا إلى نقل أعمالنا الى الخارج، واقفال عدد من فروعنا في الداخل من أجل تخفيض الاكلاف”.

فقدان المقدرة على المقاومة

ما يجري مع “الحلاب” ينطبق على 1100 علامة تجارية منتشرة في لبنان تمتلك 5700 فرع. تشكل حصة اللبنانيين مانحي الامتياز منها نحو 48 في المئة. وهو يعتبر معدلاً مرتفعاً للبنان في خلق العلامات التجارية بالمقارنة مع غيره من البلدان. إلا ان المشكلة التي تواجه هذه العلامات اليوم تتمثل في “حالة عدم اليقين التي تحيط بالمستقبل”، يقول قصعة. “فلو كان لهذه الازمة وقت زمني محدد وواضح، وبصيص نور في نهاية هذا النفق لكان الكثر من أصحاب العلامات مستعدين للصمود والتضحية في سبيل تقطيع المرحلة. أما انعدام الأمل وعدم وجود رؤية واضحة وشفافة، فقد قضيا على الثقة التامة بالبلد وقطعا نفس المستثمرين وافقداهم القدرة على الصراع من أجل البقاء. وهناك اشخاص بدأوا يسلمون بالامر الواقع”، الأمر الذي يشكل الخطر الحقيقي على هذه العلامات من الاستمرار.