Site icon IMLebanon

لبنان لامَس فنزويلا… فماذا تفعل “الجثة”؟

كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:

ما يجري لا يصدقه أحد. حتى الصديق الفرنسي جان إيف لودريان، الذي جاء يرشد اللبنانيين إلى طريقة لتخفيف الوجع، غادر كئيباً ومصدوماً وفاقداً الأمل مرّة أخرى. لقد استنتج في بيروت أنّ هناك نوعين من البشر في السلطة: هناك العاجزون الذين يكابرون ويزايدون ويظنّون أنهم يحققون الإنجازات. وهناك النافذون الذين يُحرقون البلد من أجل مصالح صغيرة وكبيرة. فهل مسموح أن يستمرَّ هؤلاء جميعاً في مصادرة البلد؟

في خلال 24 ساعة، جرى حدثان لا يقلّ أحدهما أهمية عن الآخر: تدهور الأمن جنوباً حيث تزعزع «الاستقرار الشكلي» هناك، وتدهور تصنيف لبنان الائتماني حيث تزعزع ما بقي من «رصيد» للبنان وسمعة مالية ونقدية واقتصادية.

تجاه الحدثين، جاءت ردّات فعل الطبقة السياسية معيبة فعلاً. وهو ما يؤكد صحة الانطباعات التي خرج بها كل الموفدين الدوليين والعرب الذين جاؤوا يحاولون إنقاذ ما أمكن. وخلاصة هذه الانطباعات هي: في الحكم هناك جثة لا حياة فيها. فعبثاً نحاول الإنعاش.

تعاطَت الحكومة مع الحدث الجنوبي وكأنه جرى في بلد آخر، مع أنه كان يمكن أن يتطوّر إلى ما يشبه كارثة حرب تموز 2006. وكان المسؤولون يتابعون الوقائع بالراديو والتلفزيون ومواقع التواصل وبيانات إسرائيل و»حزب الله»، مثل أيّ مواطن عادي، لأن لا علاقة لهم بما يجري.

الحكومة تعاطت مع الأمر جنوباً على طريقة «سارحة والربّ راعيها». لكنها نبشت من الأرشيف بيانات التحدّي والتصدّي لتكون جاهزة وتغطّي العجز. طبعاً، أليست ميزات الزوج المخدوع أن يكون آخر مَن يعلَم؟

وكما في ملف الأمن، كذلك في الملف المالي. «الجثة» لم تجد ما يستأهل التفاعل مع تقرير «موديز» الصادر في أخطر توقيت. هي تعاطت معه وكأنه يتناول فنزويلا مثلاً، وليس لبنان، علماً أنّ حدثاً من هذا النوع، في ظروف لبنان البالغة الدقّة مالياً ونقدياً واقتصادياً، كان يستوجب إعلان حال استنفار شاملة.

وعلى سيرة فنزويلا، وفيما خبراء المال يحذّرون من وصول لبنان إلى الوضعية البالغة السوء التي تغرق فيها تلك الدولة، جاء خفض تصنيف لبنان من Ca إلى C ليضعه في موقع فنزويلا نفسه من حيث التصنيف، أي الأدنى على الإطلاق. وهذا الأمر استرعى اهتمام العديد من الخبراء العالميين والوكالات المتخصِّصة، ومنها بلومبرغ.

تُرجِّح «موديز» أن تتجاوز خسائر حاملي السندات، بسبب التخلف الحالي، نسبة 65 %. وتصف المؤسسات بأنها «ضعيفة جداً» و»عاجزة»، وترى أنّ انهيار العملة والتضخم «يؤجِّجان بيئة غير مستقرة إطلاقاً»، فيما «تنعدم الخطوات الرئيسية في اتجاه إصلاح معقول».

ولذلك، في تقدير الوكالة، «لن يأتي الدعم التمويلي الخارجي الرسمي لمواكبة إعادة هيكلة الديون الحكومية»، فيما هناك «احتمال عالٍ جداً لتعرّض الدائنين من القطاع الخاص لخسائر كبيرة».

حتى الآن، تلتزم الحكومة الصمت تجاه هذا التقرير الذي سيجعل الوضع أكثر صعوبة بكثير، سواء في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي أو مع الجهات المانحة الأخرى، وسيزيد المصاعب والضغوط على القطاعات المالية.

ويقول أحد الخبراء بسخرية: «نخشى أن تخرج «الجثة» عن صمتها وتتَّهم «موديز» بالتآمر عليها. فمن المذهل مثلاً أن يشنّ رئيس الحكومة حسّان دياب هجوماً على فرنسا، «الأم الحنون» التي ما زالت تمارس طقوس التضحية من أجل لبنان، وتتحمّل أقصى درجات الصبر لمساعدته».

ويضيف: «الفرنسيون يريدون إنقاذ لبنان رغماً عنه، فيما مسؤولوه يتهربون من الأسئلة المتعلقة بالإصلاح. وبدلاً من شكر فرنسا على جهودها الحثيثة منذ «سيدر» وقبله وبعده، وعلى المليارات التي وفّرتها للبنان من مؤتمرات الدعم المتتالية، يتجرّأ البعض على انتقادها وتخوينها».

وفي لحظة معينة، يمكن للفرنسيين أن يقولوا للبنانيين: «خَلَّفناكم ونسيناكم. دَبّروا راسكم بين الأميركيين والإسرائيليين والإيرانيين وسواهم واتركونا. عندنا همومنا، ولا تحمّلونا بعد اليوم وصيَّة الـ10 مليارات دولار من «سيدر»!

وتكفي مهزلة الخلاف الداخلي حول الأرقام، والتهرّب المثير للدهشة من أي تحقيق أو تدقيق جنائي، تحت ذرائع مختلفة، بحيث يجري القفز من شركة إلى أخرى من دون أي مبرّر منطقي. وتريد «الجثة» إقناع الرأي العام العالمي بأنّ هذا هو الإصلاح. ومَن لا يصدِّق يكُن خائناً.

وصحيح أنّ باريس لا تفعل كل هذا للبنان من أجل «سواد عينَيه»، بل من أجل المصالح الفرنسية والفرانكوفونية في الشرق الأوسط أيضاً، ولكن، على الأقل، هي تبقى الصديق التقليدي الذي يحظى بتقدير كل القوى الإقليمية والدولية المتصارعة، وعلاقة لبنان بها لا تثير حساسيات أحد.

وثمّة من يخشى أن تتَّجه الطبقة السياسية، من خلال هذه الحكومة- «الجثة»، نحو الأسوأ والأخطر. فلا تكتفي بالتهرّب من الإصلاح، بل تهاجم القوى الدولية المطالبة بالإصلاح وتخوِّنها، كما هاجمت الشعب الذي انتفض وطالب بالإصلاح وخَوّنته. وبذلك، لا يبقى للبنان صاحب في المجتمع الدولي كي يمدُّ إليه يد المساعدة.

المشكلة تكمن في السؤال الآتي: هل سيُتاح للشعب اللبناني أن يتخلص من هذه الطبقة؟ وهل سيقوم بدفن هذه «الجثة» قبل أن تقوم هي بدفنه؟