كتب عمّار نعمة في “اللواء”:
أيام قليلة ويصدر قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حول جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي هزّ زلزالها لبنان في 14 شباط من العام 2005.
المحكمة التي أنشئت قبل 11 عاماً ستصدر يوم الجمعة المقبل عبر غرفة الدرجة الأولى في لاهاي، حكمها الغيابي في حق المتهمين في القضية والذي يترقبه مؤيدو وأخصام المحكمة على حد سواء. ويرأس القاضي دايفيد راي المحكمة، وتتولى عضويتها القاضيتين جانيت نوسوورثي واللبنانية ميشلين بريدي، وسيتعلق الحكم الغيابي بمتهمين أربعة بالتورط في الاغتيال هم سليم عياش، أسد صبرا، حسين عنيسي وحسن مرعي، في حين أسقطت الملاحقة عن المتهم الأبرز حسب المحكمة، مصطفى بدر الدين الذي اغتيل قبل نيف وأربعة أعوام قرب دمشق في سوريا.
اليوم، وبعد كل هذه المدة الزمنية الطويلة التي أثارت أسئلة ذهب بعضها الى التساؤل حول جديّة وحتى جدوى المحكمة، سوف يصدر حكم معلل كما تصفه الناطقة باسم المحكمة وجد رمضان لـ«اللواء» التي تلفت الانتباه الى دقة ما تتناوله المحكمة حول قضية معقدة سيصدر حكمها بعد 415 جلسة استمع خلالها القضاة الى شهادات 297 شخصاً.
وتشير الى أن هؤلاء القضاة «درسوا كل الأدلة التي قدمت خلال المحاكمة عبر أكثر من ثلاثة آلاف بيّنة جرمية وهي مستندات يفوق عددها 150 ألف صفحة، كما أنهم راجعوا كل محاضر الجلسات التي تقع في 90 ألف صفحة بلغات ثلاث..».
هي تسهب في شرح المراحل التي اتخذها مسار المحكمة وتؤكد من ناحية الشكل، أن مضمون الحكم غير المعروف ستكون تلاوته عند صدوره في شكل علني من داخل قاعة المحكمة في لاهاي «فالقضاة يحتفظون بقراراتهم لأنفسهم حتى الآن حتى جلسة السابع من آب». والمدعي العام قدم قضية تحوي على متهمين أربعة وسيتم نطق الحكم بعد إبداء اقتناع القضاة به من عدمه «ومن دون أي شك»، وسيتعلق الأمر بكل متهم على أن يتم التطرق الى حالة كل واحد منهم لناحية اذا ما كان هناك تبرئة أو إدانة. من هنا، «يجب على الأدلة أن تكون مقنعة وتؤكد على ذنب المتهم أو تبرئته».
إلى أين من هنا؟
في أي حال، ثمة سؤال مركزي يتعلق بمرحلة ما بعد النطق بالحكم. إذ أن مقاربة موضوع المحكمة كانت موضع خلاف عميق بين اللبنانيين، ورغم تحييد هذا الموضوع من قبل الرئيس سعد الحريري من جملة القضايا التي أدت إلى خلافه مع «حزب الله» الذي ينتمي المتهمون إليه، مثل قضيتي السلاح والتدخل في سوريا، فإن السؤال الأهم اليوم يتمثل في ما بعد النطق بالحكم وماهية تصرف لبنان على ضوئه خاصة لناحية التعاطي مع المُتهمين في حال إدانتهم.
لا تحسم رمضان وجهة القرار لناحية الإدانة أو التبرئة. «نحن في إطار محاكمة غيابية، ووفقا لإجراءات المحكمة، تقع على عاتق رئيس القلم مسؤولية تبليغ أي متهم بنتيجة الحكم، وهنا يجب عليه تسليم السلطات اللبنانية فحوى الحكم».
أما ما بعد ذلك، فهي تشير الى مجال للإستئناف في حالة العقوبة والذي قد ينتفي إذا ما حصلت التبرئة، أما في حال عدم اللجوء الى الإستئناف فسيكون الحكم نهائيا، «لكن علينا أن ننتظر لكي نبني على الأمر مقتضاه».
ولناحية ما هو مطلوب من لبنان، «فلديه التزام دائم بالبحث عن المتهمين سواء لتوقيفهم وتسليمهم الى المحكمة، أو في حال الإدانة فتصدر غرفة الدرجة الأولى مذكرة توقيف جديدة، وعندها فإن لبنان ملزم بالبحث عن الأشخاص المدانين وتسليمهم الى المحكمة».
ومن الواضح أن لبنان قد يواجه تحديا صعبا على هذا الصعيد، لذا لا تود رمضان الدخول في تفاصيل الأمر التي من المبكر بحثها اليوم. ورغم أن المحكمة أنشئت بقرار حمل الغطاء السياسي اتخذه المجتمع الدولي رفضا للاغتيالات السياسية في لبنان التي اعتبر انها تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، فإن موضوع تسييس الحكم مرفوض من قبل القيّمين على المحكمة.
وحتى هذه اللحظة، يمكن وصف تعامل لبنان بالجيد، حسب الناطقة بلسان المحكمة ردا على سؤال حول النظرة الى أداء السلطات اللبنانية المتعاقبة.
ويمكن تقسيم هذا التعاطي الى أجزاء عدة مثل التمويل الذي التزم لبنان منذ البدء بدفع 49 في المئة من كلفته وهو ما لم يقصر على هذا الصعيد، والتعاون اللوجستي مع مكتب المحكمة في بيروت، إضافة الى تعاون على صعيد الإتفاقيات المبرمة مع السلطات اللبنانية لإقامة التحقيقات وغيرها من الأمور.
وتتوقف رمضان هنا عند الإشارة الى أن لبنان يسلم شهريا الى رئيس المحكمة تقريرا شهريا عن جهود السلطات اللبنانية بالبحث عن المتهمين في القضية الأساسية والقضايا المتلازمة مثل قضايا الاعتداءات على مروان حمادة وجورج حاوي والياس المر.
أما لناحية ارتدادات الحكم على الوضع اللبناني المهزوز أصلاً والغارق في الأزمات، فتتساءل رمضان عن سبب «اللجوء الى استباق الحكم والتعليق على هذا الأمر؟»، داعية الى الانتظار، ومؤكدة «أننا مؤسسة قضائية دولية مستقلة ولسنا مؤسسة تُعنى بالشأن السياسي».