كتبت مايا الخوري في “نداء الوطن”:
إطلالتها الإيجابية وطاقتها شكّلتا علامة فارقة في مسيرتها المهنية، هي التي تبشّر بالأمل والفرح في كل لقاء، لم تستطع السيطرة على دموعها إزاء الواقع المعيشي الذي يعاني منه اللبنانيون. فأطلقت أخيراً صرخة إنسانية مدوّية عبر حلقة “صامدون” مازجة الغصة بمواقف عنفوان وغضب. الإعلامية والممثلة يمنى شرّي تحدثت إلى “نداء الوطن” عن مشاريعها ومسيرتها وعن كيفية تعايشها مع الواقع المأزوم إقتصادياً وصحيّاً، وعن مواقفها من الوضع الحالي.
تصوّر الإعلامية يمنى شرّي مسلسلاً يتناول مواضيع إجتماعية آنية، تواكب الواقع الذي نعيش منذ بدء الثورة والتظاهرات مروراً بإقفال الطرقات ومنع التجوّل وصولاً إلى كوفيد – 19. وتلفت في هذا الإطار إلى أن ظروف العمل صعبة جداً ومتعبة خصوصاً لجهة التوقف عن التصوير مراراً ما إنعكس على تحضير الشخصية وتقمّصها والإلتزام بتفاصيلها. فضلاً عن أن الفنون بخاصة تحتاج مزاجاً هادئاً وسلاماً نحن محرومون منهما في لبنان.
شرّي حريصة حالياً على كتابة يومياتها ومذكّراتها، وكأنّها على حد تعبيرها تعيش حلماً سرعان ما ينتهي ليسير يومها كالمعتاد. لافتة إلى أن لبنان كان سبّاقاً وجريئاً في إجراءاته وإقفال الحدود والمطار. إنّما للأسف، وبسبب الأزمة الإقتصادية التي يعاني منها أساساً، حصل نوع من الإنفجار لدى المواطنين ما إن فتحت المؤسسات والمطاعم والملاهي. معبّرة عن حزنها من اللبنانيين المعوّل على وعيهم، خصوصاً أننا شعب شبع من السهر والسمر والتسوّق وليس محروماً حتى يتصرف بهذه الطريقة غير المقبولة والمفهومة.
وعن إرتداد الأزمات المتتالية على الإنتاج الفني، قالت: “نعيش يوماً بيوم بكل ما للكلمة من معنى في القطاعات كافة وليس في الفن فحسب الذي يعاني إنتاجه من غياب السيولة فضلاً عن صعوبة الإجراءات الصحية المفروضة في أثناء التصوير”. مضيفة: “تحتاج أي مهنة في الأساس إلى مجهود وطاقة، فما الحال في ظلّ هذه الظروف، حيث تتضاعف الجهود، لأننا إضافة إلى الحرص على تقديم الأفضل هناك خوف وقلق من الشخص الآخر. لذا سأصفق شخصياً لأي إنتاج فني، درامي، موسيقي، ينفّذ في ظل “كورونا” والوضع الإقتصادي الحالي، وممنوع الإنتقاد”.
وعمّــا إذا كانت هناك مشاريع إعلامية، جاوبت: “ترتبط إطلالتي الإعلامية بجهوزيتي النفسية، لأنني لا أتصنّع على الهواء، بل صادقة بضحكي ودمعي ومواقفي، لا أعتمد سيناريو خاصاً ولا أضع قناعاً. أنا فرحة وإيجابية جداً أتمتع بطاقة وتحفيز عاليين. أعطي ما أملك للجمهور، وقد صنعت عالمي الخاص الجميل جداً الذي أعيش فيه سعيدة، فكما أنا نقيّة داخلياً أحبّ أن يكون محيطي جميلاً ونقيّاً أيضاً. لكنني حالياً بوضع نفسي سيّئ، لذا بدلاً من أن تنعكس على الشاشة إيجابيتي وجرعة الأمل والتفاؤل في مادة إعلامية لذيذة قريبة من القلب، سيظهر قلقي وخوفي وعدم إرتياحي الداخلي”.
كيف تتأقلمين مع هذا الواقع؟ قالت: “في خلال مسيرتي الإعلامية التي ختمت الـ 20 عاماً، لم تمرّ عليّ ظروف صعبة كهذه. لقد عايشت مجزرة قانا وحرب تمّوز لكن الوضع راهناً أصعب، هناك خوف دائم من أي شيء خارج باب المنزل. أمرّن نفسي على الإنفصال من الواقع وهو أفضل دواء، محاولـــة تحصيل أمــور أخرى تســاعدني للإسـتقواء عليه. أنصح الجميع البحث في ذاته، لأنني لطالما إستمدّيت طاقتي وفرحي ومشاعري من الداخل من دون أن أطلب أي شيء من الآخرين”.
وأضافت: “مررت بمراحل عدّة منذ بداية إنتشار “كوفيد – 19″، أوّلاً شعرت بهلع قويّ نتيجة معاناتي أساساً من الهوس القهري، بعدها قرأت كثيراً عن المرض لأفهم لعبة الإشاعات والمعلومات الكاذبة فتخطيت الهلع. لقد قمت بمجهود شخصي في هذا الإطار، وهكذا أنصح الآخرين على الإتكال الذاتي لأن أحداً لن يفهمنا مثلما نفهم ذواتنا لتحقيق الإستمرار، خصوصاً أننا بحاجة إلى القوة والصمود. لقد إكتشفت في خلال هذه الأزمة، أن من كان محبّاً ومعطاءً زاد عطاءً ومحبة، ومن كان أنانياً وجشعاً زاد أنانية وجشعاً”.
فماذا تقولين لمن لا يلتزم بإجراءات الوقاية؟ “أنتم أنانيون. تقتلوننا بسلاح خفي، لذا انتم لا تختلفون عمّن يقتل علناً”.
هل يقوم الإعلام بدوره المنوط به في زمن الأزمات؟ قالت: “الإعلام مقسوم ومتحيّز، وزاد إنقساماً وتحيّزاً منذ تشرين. رغم ذلك، لا إختلاف في ما يتعلق بالوضعين الإقتصادي والصحّي. أشكر الله على الإعلام البديل أي منابر التواصل الإجتماعي، كونها ربما أقرب قليلاً إلى الواقع، تكتب بحرية وتجرّد، وقد تغربلت أسماء كتّابها أيضاً. برأيي نعيش حال جنون وهرج ومرج، نحتاج إلى قوة ووعي ورجوع إلى الذات لنتمكن من الإستمرار. فما إن تنتهي أزمة حتى تبدأ أخرى، من كهرباء وبنزين وخبز وأمن غذائي…”.
أيّ عِبر إستخلصت بعد مسيرة 20 عاماً؟ جاوبت: “كثيرة هي أهمها أن النجاح الحقيقي يكون في الإستمرارية، أي إستمرارية حضوري رغم غياب برنامجي الأسبوعي عن الهواء. حلمت بأنني “لا أريد المرور على هذه المهنة مرور الكرام” وهكذا حصل. فأنا لم أدخل المهنة بهدف الظهور والنجومية، بل لأنني أرغب بمشاركة أمور كثيرة مع الآخرين، بإستخدام مدرستي الخاصة التي إبتكرتها لنفسي من دون التشبّه بأحد. أنا فخورة بما أنا عليه، ومحظوظة بإستضافتي عمالقة منذ بداياتي، وبتكويني علاقة طيّبة مع الجميع بفضل مصداقيتي وعفويّتي، وصدقي في التعبير عن رأيي، فأنا إنسان حرّ في مواقفه السياســــــية والإعلامية والإجتماعية”.
هل عوّض التمثيل غيابك الإعلامي؟ قالت: “لم أغب إعلامياً لأعوّض تمثيلاً. غيابي عن البرامج الأسبوعية مبرمج ومقصود، أتمتع بمسيرة ناجحة تصاعدياً لذا لا إستفادة في تقديم برنامج لا يشكّل إضافة لمسيرتي. أنا مكتفية مادياً رغم أنهم سرقوا أموالنا التي سنستردّها غصباً عنهم. لا أعتقد أن أحداً يتميّز بشهرة تضاهي شهرتي. صحيح أنني عفوية وإيجابية إنما يرافقهما ذكاء وشطارة ودراسة للخطوات، لذا لست مستعدة أبداً بالخطو إلى الوراء. أنا إعلامية ضليعة في المهنة منذ “القمر عالباب” الذي شكّل أول برنامج عصري في الشرق الأوسط بمضمونه الذي كسر هالة الفنان والنجم، فما قدّمته في العام 2001 أصبح رائجاً في 2017 و2018″.
وكشفت شرّي عن أنها تلقت في بداية مسيرتها الإعلامية عروض تمثيل في مصر لكنها كانت متفرّغة للإعلام فقط. كما أن عالم الأضواء والشهرة فتح أبواباً مهنية كثيرة أمامها مثل الإعلانات وتقديم الحفـــلات والمهرجانات، كما عُرض عليها الغناء خصوصاً بعدما أدّت “جنغل” برامجها، وشاركت في “ديو المشاهير”. لكنها أمام العروض الكثيرة تعود إلى ذاتها وتستشير إختصاصيين، ووجدت أنها لا تطمح للغناء، بل طوّعت صوتها لأهداف محددة كالتسويق لبرامجها أو خدمة قضية إنسانية في “ديو المشاهير”.
أمّا بالنسبة إلى دخولها مجال التمثيل، فعزت ذلك إلى تكوينها صداقات في هذا المجال على مرّ السنين بفضل برامجها خصوصاً أنها إجتماعية جداً وحضورها دائم في المناسبات. لافتة إلى أن الأستاذ مروان حداد هو من عرض عليها المشروع الأوّل فطلبت الخضوع لكاستينغ وهكذا إنطلقت. وأضافت: “ما زلت أتدرّب على أيدي إختصاصيين لدراسة الشخصيات وتقمّصها. أنا حريصة على مسيرة التمثيل أكثر من الإعلام، لأنني أدخل إلى عالم ليس ملعبي الخاص، فيما الإعلام مملكتي. أعتبر أنني زائرة في التمثيل، لكنني أحب أن تكون زيارة ممتعة وناجحة جداً”.
تعليقاً على مشاركتها في حلقة “صامدون” وصرختها الإنسانية، قالت: “بعد الحلقة، إعتذرت من الناس لأنهم تعرّفوا إليّ إيجابية على مرّ السنين لكنني مررت بلحظة فقدت فيها السيطرة على الهواء. صحيح أنني صادقة في عملي، لكنني متمرّسة أيضاً في السيطرة على ردود فعلي. أنا حزينة على نفسي مما حصل، لأن إنهياري على الهواء بعد دقائق من إطلالتي دليل إلى أنني إنسان مقهور ومتألم. أتوقع أنني سأطلب مساعدة طبيب نفسي لأتقبّل واقعنا المعيشي، فأنا لا أريد العيش بحسرة على الماضي”.
أمّا في ما يتعلق بالمساعدات، قالت: “في الحقيقة أنا ناشطة إنسانياً منذ زمن ولا أنتظر مبادرة أحد في هذا الإطار، إنما لاقت صرختي ردود فعل كثيرة خصوصاً أن دموعي إمتزجت بموقف عنفواني. لقد تلقيت بعد الحلقة إتصالات كثيفة للمساعدة من بلدان أوروبية وعربية ومن لبنان أيضاً”.
وختمت حديثها متأسفّة لكوننا “شعباً غير وطني، يحتاج التغيير، لأننا نتعامل مع بعضنا كوحوش كاسرة. نحن منقسمون متعصّبون نفكّر بأن قوّتنا بطوائفنا وعنصريتنا وتعصّبنا وهذا لا يصنع الأوطان”.