IMLebanon

الفساد وتحميل المسؤوليات: ما أشبه اليوم بالأمس

واضحة كانت مطالب ثورة 17 تشرين منذ إنطلاقها، ذلك أنها قامت على الدعوات إلى محاربة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة، والاصلاح السياسي واجراء انتخابات نيابية مبكرة تعيد زمام القرار إلى الشعب في تقرير مصيره وتحديد ممثليه في مجلس النواب. ولعل هذا ما قد يكون دفع العهد والدائرين في فلكه إلى اعتبار أن الثورة لا تهدف إلا إلى وضع الفريق الحاكم اليوم في قفص الاتهام، فعمل على تأكيد أن الاتهامات يجب أن تكال لما يعرف بـ “الحريرية السياسية” التي أمسكت زمام القرار السياسي والاقتصادي في البلاد في فترة ما بعد الحرب، فيما كانت القيادات المسيحية مغيبة بين النفي والسجن.

إلا أن مصادر سياسية تقارب الأمور من منظار مختلف، مذكرة عبر “المركزية” بضرورة عدم إغفال عوامل عدة حكمت، أو تحكمت بالقرار السياسي في البلاد منذ أن وضعت الحرب أوزارها، أبرزها الوجود العسكري السوري في البلاد، وإمساك سلطة الوصاية بالقرار السياسي، حيث أن حكومات كثيرة كانت تشكل بكلمة واحدة كان ينطق بها اللواءان رستم غزالي أو غازي كنعان، ما يفسر أن يستغرق المخاض الحكومي أسبوعا واحدا في زمن الوصاية، مقابل شهور طويلة بعد الإنسحاب السوري.

وتذكر المصادر بأن الكباش المستمر مع السوريين الذين حولهم الزمن والتخاذل الدولي عن مساعدة لبنان في التخلص من نفوذهم إلى قوة أمر واقع لا يمكن تجاوزها، شكل واحدا من أبرز العقبات السياسية أمام الرئيس رفيق الحريري، بدليل أن التمديد للرئيس اميل لحود كان القشة التي قصمت ظهر البعير بين الطرفين، إلى أن عقد الاجتماع العاصف الشهير بين الحريري والرئيس السوري بشار الأسد في حضور الرئيس فؤاد السنيورة. اجتماع لم يتوان الأسد فيه عن تهديد الحريري صراحة بأن “يكسر البلد على رأسه”، ما لم تمدد ولاية الرئيس لحود، وهو ما حصل في 2004، قبل شهور معدودة من اغتيال الحريري في 14 شباط.

على أن الأهم يكمن في أن سوريا نجحت في تأمين شبكة واسعة لها من الحلفاء في الداخل، على رأسهم حزب الله الذي نظم تظاهرة شكرا سوريا في 8 آذار 2005، فيما كانت القوة المصنفة سيادية تناضل لإخراج النفوذ السوري من لبنان، وهو ما حصل في 26 نيسان من العام نفسه. غير أن الوضع لم يتغير كثيرا بعد ذلك التاريخ، بحسب المصادر، التي تذكر بأن الوصاية السورية استبدلت سريعا بما يسميه البعض “النفوذ الايراني” الذي حكم لبنان، ولا يزال، بقبضة من حديد كلفته فراغا رئاسيا مرهقا وانخراطا غير مرغوب فيه في صراعات وحروب الآخرين، على حساب المصلحة اللبنانية وسياسة الحياد التي ينادي بها البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ويقاومها حزب الله، بكل ما أوتي من قوة سياسية حتى الآن.