منذ إنطلاق حملته في سبيل تكريس سياسة حياد لبنان عن صراعات المنطقة اللاهبة بنار الحسابات الجارية تصفيتها في سوريا، يجهد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لتأكيد أن هذا الطرح لا ينطبق على الموقف اللبناني من الصراع العربي_ الاسرائيلي. لكن، وفي مقابل ارتفاع منسوب مؤيدي هذه النظرية التي كان إعلان بعبدا الصادر عام 2012 قد مهد لها، معتمدا عبارة “تحييد لبنان عن صراعات المنطقة”، حل التصعيد العسكري الأخير عند الحدود الجنوبية بين حزب الله واسرائيل ليرسم معادلات وحدودا لمفهوم الحياد الذي ينادي به الراعي.
وفي السياق، ذكرت مصادر سياسية معارضة “المركزية” أن المواجهة المحدودة مع اسرائيل، حملت كثيرا من الغموض الذي من شأنه أن يثير غبارا كثيفا حول أسبابها والمرحلة المقبلة منها. ولفتت إلى أن في وقت فسر البعض العملية على أنها الرد الذي توعد به حزب الله تل أبيب، بعد مقتل أحد عناصره في سوريا في غارة اسرائيلية على مواقع تابعة لايران وحلفائها، ساد الارباك في الوسط السياسي الاسرائيلي، مع العلم أن كلاما لافتا خرجت به مصادر مقربة من الحزب فور وقوع المواجهة وقبل صدور بيان المقاومة الاسلامية، تحدثت لـ “المركزية”عن أن العملية “رد مضبوط ضمن قواعد الاشتباك”. ولا يخفى أن في هذا التصريح اعترافا بأن أحدا من الطرفين لا يرى لنفسه مصلحة في التلاعب بالوضع الجنوبي، حيث يسود الهدوء الهش، وحبس الأنفاس قبيل الانتخابات الأميركية، وفي وقت بدأ رئيس الحكومة بنيامين نتياهو يلمح إلى استحقاق شعبي جديد في اسرائيل، هو الرابع من نوعه في أقل من عام واحد. ونبهت المصادر إلى أن حزب الله عاد وأصدر بيانا بعد ساعات على المواجهة أكد فيه أن أي رصاصة لم تنطلق من لبنان في اتجاه الاراضي المحتلة، بينما كان نتنياهو ووزير دفاعه بيني غانتس يحملان لبنان وحكومته مسؤولية أي اعتداء يطال اسرائيل.
من هذا المنطلق، شددت المصادر على أن محدودية التصعيد الذي سجل على الحدود الجنوبية لا يجوز أن يحجب الضوء عن كثير من الخلاصات ذات الانعكاسات المحلية، المرتبطة أولا بمفهوم الحياد. وأشارت إلى أن إذا كان حزب الله قد تفادى تكرار سيناريو “لو كنت أعلم” الشهير الذي قاد البلاد إلى حرب تموز 2006، فإن الأهم يكمن في أنه لا يزال مصرا على توريط لبنان في صراعات المحاور الاقليمية، بدليل أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله أكد أن أي استهداف لمواقع الحزب وايران في سوريا، ستتولى “المقاومةالاسلامية” الرد عليه إنطلاقا من الأراضي اللبنانية، ما يعني إقحام البلاد في تصفية الحسابات الجارية في سوريا، مع العلم أن الضاحية تفردت بقرار القفز فوق إعلان بعبدا والمطالبة المحلية والاقليمية بإبقاء لبنان في منأى عن الكباش الاقليمي، للمشاركة في القتال إلى جانب النظام السوري في لحظة التقاء مصالح روسية- ايرانية على ذلك، قبل أن يبدأ الاعداد لطي صفحة آل الأسد في سوريا.
بناء على كل ما تقدم، أوضحت المصادر أن العبرة الأهم الواجب استخلاصها مما سجل الاثنين تكمن في أن قرار الحرب والسلم لا يزال في أيدي فئة دون أخرى من اللبنانيين، الذين يجدون أنفسهم يدفعون من حياتهم وأمنهم ثمن حسابات لا ناقة لهم فيها ولا جمل. من هنا، تبرز أهمية الحياد في تمكين الدولة من استعادة زمام قرارها السيادي، ما يعني تأمين العدالة والحرية في المجتمع السياسي.