كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:
اعتبر رئيس جمعية المصارف سليم صفير ان الظرف الحالي “ليس وقت المحاسبة بل وقت النهضة وإطفاء الحريق، وعلينا إعادة بناء الثقة قبل أي شيء”، ونفى أن تكون الجمعية هددت بالانسحاب من المناقشات مع الحكومة حول خطتها الاقتصادية التي قال إنها “بلا رؤية بل هي خطة إفلاس للمصارف وللبنك المركزي والتخلف عن دفع ودائع الزبائن”.
وقال صفير في حديث لـ”نداء الوطن” إن اقتراح الصندوق السيادي من المصارف لا يهدف إلى الاستحواذ على أصول الدولة، بل لإعادة التوازن والثقة للمستثمرين بأن أموالهم موجودة، مستبعداً اشتراك المصارف والأحزاب والسياسيين في إدارة الصندوق.
واعتبر أن في الأزمة التي يمر فيها لبنان “ليس الأوان لمن لم ينجح سابقا في حياته لنجربه”، مشدداً على أن الاقتصاد كان في الأزمات السابقة محيداً عن الخلافات السياسية ولم يسبق أن تهجم السياسيون على مصرف لبنان كما يفعلون الآن.
وقال صفير عن مناقشات خطة التعافي الاقتصادي التي تناقشها المصارف مع الحكومة إن “الأهم وجود هدف لأي خطة لأن فاتورة نجاحها أو فشلها ستنعكس في مستقبل لبنان. للمرة الأولى ندخل في أزمة كهذه. عشنا أزمات كثيرة منذ 1967 حين أفلس بنك إنترا، وخرجنا منها، لكن لم يمر في أي من أزماته بقلة الثقة بالوطن وبمصرف لبنان وبالقطاع المصرفي، بل عاش أزماته في شكل طبيعي وكانت الحكومات ومصرف لبنان والمصارف متكافلة للنهوض، إلا هذه المرة”.
لا رؤية اقتصادية في الخطة
أضاف: “لدينا أزمة ثقة ولّدت الأزمة المالية حين تخلف لبنان عن دفع سندات يورو بوندز، فيما كانت لديه قدرة مالية نقدية توازي 32 مليار دولار نقداً و16 مليار قيمة الذهب وقرابة 3-4 مليارات استثمارات دولية. هكذا وصلنا إلى ما نحن عليه. لم تصل البطالة والمشاكل المالية في المؤسسات سابقاً إلى ما بلغته. مع التعمّق في الخطة التي وضعتها الحكومة لا نجد رؤية بل إفلاس للمصارف وللبنك المركزي والتخلف عن دفع ودائع الزبائن، والسؤال هو ما هو الهدف وكيف نعطي أملاً للجيل الجديد والمتخرجين من الجامعات ومن بدأوا حياتهم المهنية والمستثمر الذي نجهد لدعوته كي يأتي إلينا؟ لا يجوز أن تكون أي خطة بلا هدف، لتحسين الوضع بدلاً من تراجعه. الخطة رُفضت من الشعب والقطاع الخاص، الذي مضت 5 أشهر- لا نعرف إلى متى تستمر- ونحن عاطلون عن العمل. ثم قررت الحكومة الذهاب إلى صندوق النقد الدولي على الطريقة اللبنانية، وهناك فريق كبير انتقد اللجوء إلى الصندوق، الذي قال اتفقوا مع بعضكم وليس شغلنا أن نحل خلافاتكم”.
وقال صفير لـ”نداء الوطن”: “الخلاف على الذهاب لصندوق النقد لم يعالج بعد، فيما الخلاف على الأرقام هو على الرؤية لأن للرقم تفسير، فهو يحكي عن ذاته وله تداعيات. النواب انتقدوا الخطة والأرقام لأن الأمور مترابطة وهناك فرق بين خسارة تفلّس بلد وأخرى تنقذه وتنهض به. والرقم المخيف يُدخل البلد في مرحلة عجز لفترة طويلة مالياً واقتصادياً كأننا نقول للجيل الجديد إن لا مستقبل لكم في البلد وابحثوا عن غيره، لأننا نقفل الطريق على الفريق الذي ساعد لبنان على الانتعاش تاريخياً. نحتاج إلى إبقاء البلد مفتوحاً للمستثمرين لبنانيين أو محبين. لبنان كسب سابقاً ثقة المستثمر والآن يريدون حرمانه من الثقة التي هي الوديعة. ماذا يبقى؟ نحن بلد صغير فيه 6 مليون شخص يجب أن يعيشوا بطريقة مقبولة وإلا نكون نقول لهم هذا البحر من أمامكم”.
“حرقوا لنا الثقة”
وعما آل إليه الحوار مع الحكومة قال صفير: “بدلاً من توحيد الفرقاء بفريق لهدف واحد لإعادة إطلاق البلد – ولدينا القدرة العقلية والمالية لذلك، لكن علينا إعادة بناء الثقة، التي هي أساس كل شيء – حرقوا لنا الثقة التي كانت موجودة وصار المودعون يريدون سحب أموالهم في يوم واحد، وهذا يعني أن لا ثقة. استطعنا جلب 200 مليار دولار إلى لبنان (سابقاً)، لأنه ربح ثقة الناس. النظرة القائمة حالياً هي أنكم لا تحتاجون 200 مليار دولار. قلّصوا حجمكم ودخلكم الوطني وعودوا لتعيشوا حياة فقر، واشتروا قمح وسكر ورز في انتظار الترياق من السماء. لا يجوز التفكير هكذا في القرن ال21. لدينا قطاع مصرفي ناجح تاريخيا وموجود في 33 بلد، لا يجوز التصويب عليه وتهديمه وقتل الثقة به”.
“ليس أوان تجربة من لم ينجح”
ويرى أنه “قبل التفاوض مع الصندوق علينا إعادة خلق الثقة الداخلية بين المطلوب منهم إقامة نظام اقتصادي جديد. ومن لم ينجح سابقاً في حياته ليس الآن أوان تجربته وإعطائه فرصة للنجاح مجدداً. لدينا أناس كثر ناجحين، يجب أن يجلسوا حول الطاولة. وكل من لم يحقق شيئا في السابق ليس وقته الآن. البلد مبني على أكتاف المستثمرين ولدينا كثر خلاقين وأوادم. علينا أن نقلع عن أن “نقوّص” على بعضنا ونكسر ظهر الناجح. والآن ليس وقت المحاسبة بل وقت النهضة. لا يجوز الذهاب إلى مؤسسة عالمية ونحن نتخبط. لطالما كان البلد مقسوماً سياسياً لكن الاقتصاد كان موحداً. فلنذهب بفكرة اقتصادية، وليس عمل السياسيين القيام بذلك”. وينفي صفير أن تكون الجمعية هددت بالانسحاب من المناقشات مع الحكومة و “يدنا ممدودة من اليوم الأول”.
وعما إذا وافقت جمعية المصارف على تخفيض اللجنة النيابية للتحقق أرقام الخسائر إلى النصف قال صفير: ” كنا فريقاً في اللجنة التي مع مصرف لبنان ووزارة المال بمن فيهم المستشارين، وعملت في جو وطني موحد، بوجود نواب من كل الأفرقاء السياسيين كانوا بصوت واحد، من دون وضع اللوم على فلان أو فلان، وتوصلوا إلى أرقام مقبولة. نحن مع أرقام اللجنة النيابيةليس فقط لأنها واقعية، بل لأنها تخفف من مشاكلنا الداخلية وحيال الغريب”.
“غير صحيح أننا نريد أملاك الدولة”
وعن اقتراح الجمعية إنشاء الصندوق السيادي بقيمة 40 مليار دولار مقابل أملاك للدولة، أوضح صفير أن “ودائع الزبائن وُضعت في مصرف لبنان الذي هو مصرف المصارف وملك الدولة، والذي موّل الدولة خلال آخر 20 سنة ثم حصل العجز. طالما أن الدولة أم الصبي، هي من أنفق الأموال، ولديها أملاك، فلتنشئ صندوقاً بهدف إقامة توازن مرحلي مقابل الودائع التي نقصت، لإعادة الثقة لأصحابها بأنهم لم يخسروها. نضع موجودات ملك الدولة لإعادة الثقة والمستثمرين إلى البلد، ولنخلق دورة حياة اقتصادية جديدة. هذه الأملاك لن تتبخر، بل تبقى ملك الدولة. يجب أن تكون بإدارة مستقلة لنتأكد بأنها تديرها بطريقة علمية”.
وعن أن المصارف تريد التصرف بهذه الأملاك والاستحواذ عليها مقابل ديون الدولة لصالحها قال: “غير صحيح على الإطلاق.لا نريد مد يدنا والتصرف بها أبداً. نريد إقامة توازن بين الأموال التي صرفت والتي هي ودائع الناس، لإعادة الثقة من قبل من يضع وديعة في لبنان، بأن أمواله لم تتبخر. لا. نحن لا نريد وضع يدنا على أي شيء”.
وعن المطروح بالنسبة إلى هذه الأملاك قال صفير لـ”نداء الوطن”: “ليس ضرورياً أن تكون أملاكاً، بل موجودات وأصول مثل المطار والمرفأ وشركات الخلوي والأملاك البحرية…تضعها في الصندوق وتبقى ملكها. الدولة أنفقت من أموال امودعين ما يوازي 40 – 50 مليار دولار، وعليها أن تظهر حسن نية لتخلق مجدداً ثقة عند المواطن اللبناني الذي أنفقت ماله. وقد لا تكون بالضرورة بقيمة 40 مليار، بل الرقم الذي يعيد الثقة والذي يبقى ملك الدولة. إدارته تكون مستقلة حتى تتمكن من إدارته بطريقة سليمة”.
لا اشتراك للمصارف والأحزاب في الصندوق
وعما إذا تشارك المصارف فيها، قال” لا. لا المصارف ولا رجال السياسة ولا الأحزاب ولا مصرف لبنان. إما إدارة أجنبية متخصصة، أو من الذين لا غبار عليهم ونجحوا في حياتهم المهنية، ويتحملون المسؤولية أمام الشعب، وما قيل أننا نريد الاكتتاب في هذا الصندوق تفكير خاطئ. الصندوق هو تعهد بالمسؤولية الائتمانية من الدولة، لإعادة ثقة المودع والمستثمر، تقول فيه الدولة أنا أنفقت أموالكم لكن نيتي صافية وإنشاء الله الوقت يساعدنا لردها”.
وعن آلية رد الأموال أشار إلى أنه يفترض أن يكون هناك مردود من الصندوق، بدلاً من أن يدخل إلى حساب الدولة، يمول خسارة مصرف لبنان التي هي ودائع المستثمرين، وإذا حصلت خصخصة، فإن ما ينتج منها يعوض الخسائر التي أنفقتها الدولة”.
ألا يعني ذلك التصرف بأموال الدولة لمصلحة المصرف لبنان والمصارف؟ يجيب صفير: ” وزارة المالية أهدرت أموال المودعين وأنفقتها ويجب أن تردها بطريقة أو بأخرى”.
“الدولة تستعمل ما تبقى من أموال المودعين”
لكن الأفكار المطروحة حول مردود أصول الدولة مثل الأملاك البحرية والخلوي والخصخصة، كانت مطروحة لخفض عجز الموازنة، واقتراحكم أن تتحول لرد أموال المودعين، وبالتالي عجز الخزينة سيستمر أجاب: “الدولة لا يمكنها الاستمرار على هذا الشكل. قبل دقائق اتصلوا بي لأن وزارة المال تريد منا تأمين الأموال النقدية لدفع رواتب المتعاقدين خلال الأعياد. هذه كلها من ودائع الزبائن، لأن الدولة لم يعد لديها مال. رواتب موظفي الدولة والمتعاقدين ومصاريف الوزارات كلها تأتي مما تبقى من أموال المودعين في مصرف لبنان. هذه الأموال يجب ردها حتى لا تنفّذ “هيركات” على أموال المودعين. هم يقولون لا نريد تطبيق هيركات على المودعين، لتشجيع اللبناني في الخارج على إيداع أموال في لبنان. ألا يجب ترميم الثقة؟ هذا الصندوق لن يكفي مدخوله لدفع ال40- 50 مليار دولار التي صرفها الشباب خلال 20—25 سنة، لكنه يعيد الثقة للمودعين بأنها باقية ولا تسحبوها بيوم واحد. استخدموها تدريجياً حتى نكون أمّنا مداخيل. وإذا جاءت فرصة للخصخصة حتى تتمكن من تقصير تلك المدة لماذا لا؟ يجب إيجاد صيغة مقبولة من الجميع من ناحية المردود وليس من وجهة النظر السياسية. هم يقولون لا نريدكم أن تبيعوا أصول الدولة. قلت للرئيس ميشال عون اليوم (الأربعاء) بأن الدولة ليست فريقاً بل هي سيدة على أرضها. فرنسا وإنكلترا احتاجتا سيولة، ففتحوا الحدود للممولين واشترى العرب معظم فنادق فرنسا ولندن. لم يتأثروا سلباً. الفندق الذي كان يدفع ضريبة كذا استرليني صار يدفع 500 مليون دولار. والدولة حين تريد، يمكنها تغيير القانون وتتخلص من المستثمرين الأجانب، فهم لم يشتروا الدولة بل أصولا على أرضها، التي لها السيادة عليها. يجب أن نتعاطى بهذه العقلية وإلا لن نخرج من الحفرة. فالدولة صاحب القانون وهي التي تشرع، وحين تخصخص الدولة شيئا يمكنها استعادته. كل ما يعيد بناء الثقة يجب القيام به. آلية إنشاء الصندوق التقنية يجب أن تتمتع بالليونة”.
سئل: لكن بالخصخصة سيكون للمصارف دورها في الاستحواذ أيضا على قطاعات، أجاب: “كل ما يطمئن المستثمر لاستعادة الثقة يجب القيام به، بمعزل عن اللاعبين. إذا احتاجوا خدمة المصرف يكون حاضراً، وإذا لا فليكن. لا نريد شيئاً ولا نبحث عن دور نلعبه أكثر من المطلوب منا. هدفنا نمو الاقتصاد اللبناني”.
عن التفاوض مع صندوق النقد ومهلته، قال: “الصندوق مصرف دولي. وشرحت للرئيس عون بأني لمصرف حين يقول لي أحدهم الشركة الفلانية جيدة لماذا لا تعمل معها، أجيبهم أمنوا لي اجتماعاً معها وحين ألتقي بإدارتها وأرى أن الشركاء فيها مختلفون بين بعضهم أقول لهم حين تتفقون اتصلوا بي. هذا ما حصل مع صندوق النقد الذي قال لنا روحوا اتفقوا وارجعوا. لذلك أشدد على الثقة، التي إذا غابت ترتفع الفاتورة، أي تزداد المخاطر وثمنها يكون عالياً”.
“الكابيتال كونترول”
عن الكابيتال كونترول قال: “لامونا أننا أقفلنا في 17 تشرين الأول 10 أيام. يومها جئنا إلى مكاتبنا فتبلّغنا من مصرف لبنان أن أموالنا محجوزة لا يحق لنا سحبها. طلبنا الكابيتال كونترول أجابونا أنه سيأتينا خلال ساعات. عموماً حين تجمد أموالا تصدر فوراً كابيتال كونترول. عم 67 حين تعثر “إنترا”، صدر الكابيتال كونترول في 24 ساعة، بثلاثة أسطر. اطلعت الرئيس نبيه بري عليه. نحن ما زلنا ننتظر الكابيتال كونترول.
وعن استنسابية المصارف في التحويلات للطلاب في الخارج قال: “صحيح. إذا طلبت مني تحويل ألفين إسترليني إلى الخارج يجب أن يكون في حسابي لدى المصرف المراسل في الخارج هذا المبلغ لأن مصرف لبنان لا يقبل بتحويل أموالاً للخارج، في وقت لم يعد لنا مال في المصرف الأجنبي. كي أحول لك الألفي إسترليني يجب أن أشتريها من سوق الصرافين حيث سعر الدولار مثلاً 8 آلاف، في وقت السعر الرسمي 1500، والفرق سيدفعه المصرف. على كل ألف دولار نحوله ندفع ألفي دولار. المودع لا يدرك ذلك”.
وعن سبب عدم وجود أموال في الخارج قال صفير لـ”نداء الوطن”: “أنفقناها. دفعنا اعتماداتنا. حين حصلت الأزمة كانت المصارف تحتفظ ب 8 مليار في الخارج، وعلينا ديون للمصارف الأجنبية 9 مليار و800 مليون دولار. دفعنا ديوننا للمصارف الأجنبية حتى لا يحصل تعثر. واصلنا فتح اعتمادات ودفعناها من سندات الخزينة التي بعناها وشتمونا لأننا بعناها، حتى ندفع اعتماداتنا الخارجية. لم يعد لدينا مال في الخارج. كان هناك مليارين ونيف دولار في المصارف اللبنانية أودعتها بنوك سويسرية لزبائنها عندنا، لكسب الفائدة (حسابات ائتمانية) فرديناها لهذه البنوك”.
رسملة المصارف و”جيوبنا”
الأموال التي حولت الى الخارج بعد 17 تشرين سواء للمودعين ام لأصحاب المصارف إذا أعيد جزء منها ألا تلجم التدهور؟ أجاب: ” اذا كان في حسابك مليون دولار في لبنان حولت منها 500 ألف دولار إلى الخارج. إذا طلب منك مدير البنك أن تعيدها إلى لبنان، تتردد لأنك لا تضمن أن تسترجعها. الإخوان يفكرون بهذا الأمر وسئلت عنه عدة مرات. هذا تمنيات”.
ووصف صفير التحقيقات بمن ومتى حوّل أموالاً إلى الخارج بأنها “حرتقة مثل كل الحرتقات التي تحصل ولهذا فاتورة مستقبلية. كيف ترد الثقة إذا من حوّل 50 مليون دولار للخارج نضعه في السجن كي يعيد 25 مليوناً إلى البلد والقانون لا يجبره على بذلك؟”.
ماذا ستفعلون لإعادة رسملة المصارف؟ يقول صفير: “رسملة المصارف تتم بإقناع الناس بأن استثمارك يأتيك بمردود أمين. هم يقولون لنا اضربوا أيديكم على جيوبكم لتساعدوا في النهضة. قلنا لهم جيوبنا سبق أن استعملتموها، وطالما لا ثقة لا نقدر على الإتيان برساميل من الخارج، ونحن أموالنا خلصت. من يستثمر في مصرف يجب أن يكون لديه أهداف مختلفة عمن يشتري عقاراً، لأن الاستثمار في المصرف طويل الأمد، لا يمكن الدخول والخروج في أي وقت”.