كتب عمار نعمة في “اللواء”:
لا يُحسد الرئيس سعد الحريري على اللحظات الدقيقة والصعبة التي يعيشها اليوم. مع اقتراب عداد الساعات في اتجاه النطق بحكم المحكمة الدولية في جريمة إغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، المنتظر يوم الجمعة المقبل، يبدو زعيم «تيار المستقبل» قد حدد خياراته وتموضعاته الداخلية وهو الذي قد يكون في هذه اللحظات على بيّنة من الحُكم الذي سيتابعه مباشرة على مقربة من قضاته.
كان الحريري دوماً كبالع الموسى في مقاربته للقضية. حاول مراراً صياغة تفاهمات سياسية مع الأخصام إتخذت طابع التحالفات أحيانا، لكنها كانت أقرب إلى تنظيم للتباينات وتحييد للملفات الخلافية، وهو ما صمد سنوات طويلة ومرّ بتحديات دقيقة حتى اليوم.
لكن الجديد الحريريّ هذه الأيام يتمثل في انكفاء زعيم «تيار المستقبل» عن مشهد الحكم بعد خروجه منه طوعاً ليُصور نفسه متبنياً الإنتفاضة الشعبية التي كان أحد أهدافها. وبخروجه ورفضه للعودة، فقد شرع بذلك في خطة طويلة الأمد للعودة تُطبخ على نار هادئة وبأعصاب باردة.
قد يشكل الحكم الدولي مناسبة للعودة الحريرية بقوة الى الساحة، برغم أن البعض يشير، ومن بينهم قياديون من الداخل «المستقبلي» المقرب من الحريري، كمصطفى علوش لـ«اللواء»، الى أن ذلك أيضا سيتيح لمن هم على «يسار» الحريري للبروز بمزايداتهم عليه. وهم لن يقفوا عند موقف للحريري سيكون عالي النبرة مع صدور قرار المحكمة التي قد تدين «أشخاصاً تؤكد المعطيات أنهم كانوا مأمورين ولم يقوموا بعملهم لوحدهم».
وحسب هذه القراءة، فإنها منظومة كاملة مخابراتية وعسكرية قوية ومتماسكة تلك التي اغتالت الحريري بدافع سياسي شكل إحدى المراحل الأولى «في مخطط اجتياح ولاية الفقيه للمنطقة».
هذا هو السياق الذي يضع «مستقبليون» كثر القضية في مساره، برغم أن الحريري لجأ الى المحكمة لكي يُجنب البلاد التجاذب السياسي المؤذي لها «لكي لا تضيع القضية». لكن هذا الأمر لن يحول دون عودة تلك القضية الى البروز بوجهها السياسي مع المعطيات التي ظهرت خلال التحقيق والحكم، ما يشير علوش الى كونه يؤكد قناعته «بتورط منظومة ولاية الفقيه ونظام (الرئيس السوري) بشار الأسد».
هنا تبرز التساؤلات كبيرة حول مآل العلاقة بين الحريري وتياره من جهة، و«حزب الله» الذي ينتمي المتهمون إليه، بعد سنوات من قضايا ثلاث نُحّت جانبا ًلتفادي فتنة مذهبية بين الطرفين: المحكمة الدولية وسلاح «حزب الله» والتدخل في الحرب السورية.