كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”:
هل بدأ العدّ العكسي لإلغاء الدعم جزئياً أو كلياً عن السلع تباعاً، لتصبح اسعار كل المواد الاستهلاكية، بما فيها المحروقات والطحين والدواء، على سعر دولار السوق السوداء، مهما كان هذا السعر مرتفعاً؟
قرّر مصرف لبنان الغاء قراره السابق الرقم 13220 تاريخ 16/4/2020 والذي طالب من خلاله المؤسسات غير المصرفية كافة، التي تقوم بعمليات التحاويل النقدية بالوسائل الالكترونية، أن تسدّد قيمة أي تحويل نقدي الكتروني بالعملات الاجنبية، وارداً اليها من الخارج بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر السوق (3900 ليرة)، وأن تبيع من الوحدة الخاصة المنشأة في مديرية العمليات النقدية لدى مصرف لبنان العملات النقدية الاجنبية الناتجة من العمليات المشار اليها اعلاه.
سيؤدي الغاء التعميم السابق الى اعادة تسديد التحويلات المالية الواردة من الخارج عبر شركات تحويل الاموال، بالدولار الاميركي وليس بالليرة اللبنانية، على السعر المحدّد لدى الصرافين ولدى منصّة مصرف لبنان الالكترونية، وذلك بعد ان تراجع حجم تلك التحويلات المالية بنسبة حوالى 80 في المئة، من 150 مليون دولار شهرياً الى 25 مليون دولار، وفقاً لما اكّدته مصادر في احدى شركات تحويل الاموال لـ»الجمهورية».
وفيما كان مصرف لبنان يستحوذ على دولارات التحويلات المالية الواردة من الخارج عبر شركات تحويل الاموال، من اجل دعم استيراد السلع الغذائية والاستهلاكية الواردة ضمن السلة الغذائية المدعومة، فإنّ تلك الدولارات اليوم ستنضب، ليتوقف معها الدعم تدريجياً، حيث انّ كلفة الدعم الذي يوفره مصرف لبنان المقدّرة بحوالى 2,5 ملياري دولار سنوياً باتت تستنزف احتياطي البنك المركزي، اي ما تبقّى من اموال المودعين، بما فيها دعم المحروقات والقمح والادوية والمستلزمات الطبية بحوالى مليار دولار سنوياً، بالاضافة الى السلة الغذائية التي تضمّ حوالى 200 سلعة، والمقدّرة كلفة دعمها بحوالى 1,5 مليار دولار سنوياً.
في هذا الاطار، اعتبر الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، انّ قرار اعادة تسديد التحويلات المالية الواردة من الخارج بالدولار، قرار عقلاني، لأنّ الرخصة الممنوحة لشركات تحويل الاموال لا تعطيها صلاحية لعب دور الصراف وتسديد التحويلات بغير العملات الواردة بها. «كما انّ قرار تسديد تلك التحويلات بالليرة، ان كان على السعر الرسمي عند 1500 ليرة، عندما تمّ اعتماده مع بدء تراجع سعر الصرف، او أخيراً عند 3900 ليرة، قرار مجحف بحق المرسلة اليهم تلك الاموال وبمثابة السرقة، لأنّ الفارق بين هذا السعر وسعر السوق الموازية ما زال شاسعاً».
وقال حمود لـ«الجمهورية»: «انّ اول قرار صدر لتسديد تلك التحويلات المالية بالليرة ادّى الى تراجع حجمها من حوالى 100 مليون دولار الى 5 ملايين دولار شهرياً، وبعد ان تمّ التراجع عنه عادت تلك التحويلات الى الارتفاع، لكن ليس الى مستوياتها السابقة بل الى حدود الـ 60 مليون دولار. وهذا ما سيحصل اليوم عندما سيتمّ التراجع عن قرار تسديدها بالليرة على سعر صرف الـ3900 ليرة». واشار الى انّ «التحويلات الواردة عبر شركات تحويل الاموال هدفها استهلاكي وليس تجارياً. وبالتالي تلك التحويلات لن تنقطع وستستمر بالتوافد الى لبنان، إن عبر الشركات او المصارف او عبر المطار، وبالتالي ستكون وجهتها بالتأكيد نحو السوق السوداء، اي للاستهلاك الشخصي وليس الايداع او التخزين، مما سيؤدي الى تقليص الضغط نوعاً ما على طلب الدولار في السوق السوداء».
ورداً على سؤال حول عدم تدفق مبالغ كبيرة الى لبنان عبر المصارف Fresh Money ، لفت حمود الى انّ غياب اي قانون لتنظيم العمليات المصرفية يحول دون ذلك، «لانّ اي اموال fresh money واردة الى القطاع المصرفي ليست محميّة في حال افلاس اي مصرف، حيث لن تفرّق عملية الافلاس بين الـ fresh وغير Fresh money، وبالتالي جلّ ما قد يحصل عليه من حوّل امواله الى لبنان هو 75 مليون ليرة!».
وشدّد على انّ المطلوب اليوم ليس قانون capital control بل قانون مؤقت لتنظيم العمليات المصرفية، يحفظ على سبيل المثال حقوق الذين يقومون بتحويل الـ fresh money الى مصارف لبنان. وقال انّ المصارف اليوم تمارس مهنة «الصندقجي» وليس العمل المصرفي، لأنّ اي تحويلة مالية واردة من الخارج يتمّ سحبها فوراً ولا يبقى لدى المصارف اي سيولة يمكن استخدامها لأي غرض مصرفي، «ناهيك عن العمولات المرتفعة التي تتقاضاها المصارف على سحب الـfresh money».
توقيف الدعم بالكامل!
وبالنسبة الى امكانية الاستمرار في دعم السلة الغذائية بعد توقف مصرف لبنان عن استخدام اموال التحويلات المالية الواردة عبر الشركات، اكّد حمود انّ «كافة انواع الدعم المعتمدة لا يمكن ان تستمرّ ولا بدّ ان تتوقف. أوّلا لأنّها تستنزف احتياطي مصرف لبنان، اي اموال المصارف واموال المودعين، وثانياً لأنّها تستخدم اموال بعض الناس لإطعام جميع الناس». كما اشار الى ان اي احتياطي نقدي متبقٍ، ولو انّه يستطيع تأمين الدعم لمدة عام او اثنين، لا يجوز استنزافه لدعم استيراد السلع الغذائية او غيرها.
وعمّا اذا كان يجب رفع الدعم ايضاً عن المحروقات والقمح والادوية، قال حمود: «يجب وقف الدعم حتّى عن نسمة الهوا».
وفي الختام، شدّد حمود على انّ الاموال ستستمر في التدفق الى لبنان، إن من التحويلات او من الزوار. اي انّ امكانية الاستيراد ستبقى قائمة، لكن لا يمكن الاستمرار في دعم السلع، بل يجب ان تتمّ عمليات الاستيراد وفقاً لسعر الصرف في السوق، إن كان 3000، 4000، او حتى 50 ألف ليرة!