جملة أسباب دفعت إلى استقالة وزير الخارجية ناصيف حتي. يصعب حصر هذه الاستقالة في سبب محدد ومباشر، ويمكن الكلام عن ظروف وعوامل تدافعت وتراكمت وأدت إلى الاستقالة الوزارية الأولى من حكومة الرئيس حسان دياب، والاستقالة الثانية المدوية بعد استقالة مدير عام وزارة المالية… ويمكن اختصارها في النقاط التالية:
1- الإحراج الكبير الذي شعر به حتي جراء «الخطأ الديبلوماسي» الذي ارتكبه رئيس الحكومة حسان دياب، منتقدا في تغريدة له وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان وقائلا عنه انه لم يحضر ملفاته جيدا، وأن زيارته إلى بيروت لم تحمل جديدا، وهذا الانتقاد غير المسبوق لرأس الديبلوماسية الفرنسية قابله الوزير حتي بامتعاض شديد، خصوصا أن علاقة وطيدة تربطه بالفرنسيين وبالوزير لودريان خصوصا، وخاصة أيضا أنه «استبعد» من عملية الإعداد لزيارة لودريان ولم يكن له فيها دور وتأثير، وقد عبر حتي في أكثر من مناسبة عن خلافه مع طريقة تعاطي رئيس الحكومة في السياسة الخارجية، «الأمر الذي بات يستنزف رصيدي المهني والديبلوماسي» (كما قال صراحة في مقابلته التلفزيونية الأخيرة).
2 – الحساسية المفرطة التي أبداها حتي حيال الزيارات الخارجية لمدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي زار العراق والكويت، وكان مع وزير الخارجية في زيارة إلى الأردن.
ومع أن اللواء إبراهيم زار دولا عربية في مهمة خاصة مستخدما علاقاته الوثيقة مع مسؤولين أمنيين وزارها كموفد رئاسي، خصوصا أن مدير عام الأمن العام هو في القانون والعرف كبير مستشاري رئيس الجمهورية ويمكن انتدابه لمهمات خارجية سبق أن قام بالكثير منها في السنوات الماضية، إلا أن الوزير حتي اعتبر أن في الأمر تجاوزا على موقعه ودوره وصلاحياته.
3 – شعور الوزير حتي بأنه موضوع تحت المراقبة والامتحان و«مقيد سياسيا»، وهو لم يستسغ الانتقادات والضغوط التي تأتيه من مصدرين أساسيين:
حزب الله كما حدث في أعقاب زيارة «الاستدعاء» للسفيرة الأميركية دوروثي شيا، التي تبين أنها كانت للاعتذار وليست للتوبيخ… أو كما حدث بعد استنكاره للقصف الصاروخي الحوثي على السعودية.
والمصدر الثاني هو النائب جبران باسيل الذي أبلغه عبر اتصال هاتفي بعد إطلالته التلفزيونية الأخيرة انزعاجه مما قاله، متوجها اليه بعبارات من التأنيب الصريح على المواقف التي أطلقها.
4 – شعور الوزير حتي بأنه على رأس وزارة مازالت «تابعة» في تركيبتها ومسؤوليها للوزير السابق جبران باسيل وواقعة تحت تأثيره ونفوذه، وهذا ما أشعره بالضيق على المستوى «الإداري» أيضا بسبب عدم امتلاكه عدة الشغل الخاصة به، وعدم قدرته على تكييف وزارة الخارجية لتكون منسجمة مع سياسته وأدائه، وعدم التمكن من التحكم في التعيينات والتشكيلات الديبلوماسية فيها.
5 – عدم رضا وزير الخارجية عن أداء الحكومة وسياستها في الداخل وتجاه الخارج، وتبلغه الكثير من الانتقادات والملاحظات السلبية من مراجع وعواصم معنية بالملف اللبناني.
وكان أبرز ما سمعه وتلقاه خلال زيارته إلى روما ولقائه مع دوائر الفاتيكان التي عبرت عن القلق إزاء مسار الأوضاع في لبنان مع دخولها مرحلة الانهيار وسلوكها منحى كارثيا، وإزاء الطريقة التي تدير بها الحكومة الأمور والأزمات، وما تظهره من بطء وتردد وتخبط وإحجام عن الدخول في عملية الإصلاحات الضرورية والملحة.
وفي النتيجة، وصل حتي إلى قناعة مفادها أن الحكومة الحالية وصلت إلى طريق مسدود، ولن تصل إلى نتيجة، ولا تتجاوب مع متطلبات المرحلة وتحدياتها، و«لا تساعد نفسها» كي يساعدها المجتمع الدولي.
6 – استشعار دقة وخطورة التطورات الآتية في المرحلة المقبلة وصعوبة التعامل معها، خصوصا أن هذه المرحلة لا تحتمل سياسات ومواقف «وسطية ورمادية»، ولا تتناسب مع أسلوب حتي وأدائه وتوجهاته وخبرته التي راكمها على مر سنوات من عمله الديبلوماسي الاحترافي.
وهناك معلومات تشير إلى أن وزير الخارجية تبلغ خلال العطلة رسائل خارجية ضاغطة إحداها تبلغه بأنه سيتلقى خلال يومين دعوة للمشاركة في حضور جلسة إعلان الحكم بالمحكمة الخاصة بلبنان ٧ أغسطس ورسالة أخرى تبلغه بأن المطلوب عند تنفيذ حزب الله عملية الرد على قصف إسرائيل للأراضي اللبنانية إعلان وزارة الخارجية أنه لا علاقة للبنان بالعملية، وتقول هذه المعلومات إن الوزير حتي عاش صدمة مع تلقي هذه الرسائل من جهة، وتوقع أن تزداد الضغوط من جهة أخرى، فارتأى أن الاستقالة الاستباقية هي الخيار الأفضل.