كتب رولان خاطر في “الجمهورية”:
لوهلة، يظنّ من يقرأ بالصورة تاريخ لبنان وكأنّ هذا البلد لا يشبع دماً ولا ضحايا، لكن اذا تأملنا بعمق نرى كم هو مجروح ومسكين ومتعب. خائب من شعبه قبل أيّ خارج.
ليست بيروت وحدها منكوبة، لبنان أيّها السادة كلّه مدمّر. حزين. صامت. مقهور. مفجوع. لبنان يهوي. كم من تاريخ أسود يجب ان تحمله روزنامة هذا البلد كي يصبح وطناً.
4 آب كان يوماً حزيناً، لا بل كالسيف الذي يقطع أوصال الروح. كيف لا، والمسافة التي تجمع بين الكرنتينا والمرفأ يغطيها سواد الانفجار. الناس مشرّدة على الطرقات، البيوت القديمة المتصدعة أصلاً انهارت على ساكنيها.
أحمد الحاج أب ينتظر خبراً عن أرواحه الأربع الموجودة تحت الركام، فيما يقف وتحت رجليه كيس أبيض، ينظر إليه بحسرة ويبكي بشكل متقطّع، آملاً أن يخرج من في الكيس حياً، لكن لا، فقدر ابنته ان تذهب باكراً، وهي بعمر الـ22 عاماً. رحلت والغبار والدم يغطيان جسدها، فيما ما يمنّ النفس ان تكون طهارتها كفيلة بإدخالها ملكوت السماوات.
الردم يغطي طول الطريق من الكرنتينا الى المرفأ. السيارات محطّمة على جانب الطرقات. ناس تركض نحو المرفأ لعلّها ترى صورة النار، وآخرون عائدون يتحسّرون على وطن حكامه فاسدون، كاذبون، فاسقون، مضطربون، كافرون.
تكمل الطريق، محطة شارل حلو للسيارات مدمّرة بالكامل من الداخل. وبينها وبين مدخل المرفأ خراب يعمّ المكان. الجيش اللبناني ومخابراته يضبطون الأرض، فيما تقوم جمعيات الانقاذ من كافة الطوائف بعمليات الاغاثة.
وكان قد وقع انفجار نحو السادسة مساء في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت. وفيما تضاربت المعلومات حول كيفية حصوله، خصوصاً بعد نفي اسرائيل الرسمي أي علاقة لها باستهداف مرفأ بيروت، أشارت المعلومات أمس إلى أنّ حجم الانفجار 2700 طن من مادة الأمونيوم، وفق التقرير الذي كان على طاولة المجلس الأعلى للدفاع.
«الجمهورية» عاينَت الأضرار في قلب بيروت. الطرقات كانت حالكة الظلام من الكرنتينا إلى باب المرفأ. الأبنية، المؤسسات، الشركات، المستشفيات في جوار المرفأ في الكرنتينا والأشرفية كلّها تَأذّت أو دُمّرت بالكامل على غرار مستشفى الروم.
أبواب المحلات مخلّعة مكسّرة، الحجارة على الطرقات، الزجاج متناثر، بيوت انهارت، بعض الناس أخلَت منازلها نتيجة التصدّع الذي لحق بها. السيارات تطايرت من قوّة الإنفجار، المشهد يشبه حالة حرب وكارثة حقيقية. دمار شامل في بيروت.
عدد الضحايا كبير، سيارات الدفاع المدني، الصليب الأحمر، تخرق زحمة السير على الأوتوستراد لتصل إلى مكان الانفجار وإلى الأماكن الأخرى التي تأذّت. أعداد الضحايا والاصابات حتى كتابة هذه السطور لم تكن قد رُصدت، لكن احد عناصر الدفاع المدني، والذي كان من فريق الانقاذ، كشف لـ»الجمهورية»: «الأعداد لا تُحصى، حجم الدمار كبير. حمّام دم في الداخل».
كذلك، أوضح مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» ممّن كانوا يعاينون المنطقة أنّ أعداد الضحايا وحجم الدمار لم يتم تحديدهما، بانتظار الانتهاء من عمليات الانقاذ والاغاثة. أما بخصوص شدّة الانفجار، فردّ: «إنتظروا التحقيقات».
الجيش اللبناني ومخابرات الجيش كانا يطوّقان المنطقة، ويمسكان بزمام الأمور على الأرض. ومنع الدخول إلى حرم المرفأ إلّا لِفرق الاسعاف أو لتلك التي تحمل صفة عسكرية. كما لوحِظ حجم التكاتف بين جميعات الاغاثة، الذين جاؤوا من كل منطقة من بيروت، منهم من هو تابع لحركة «أمل»، ومنهم من هو تابع لـ«حزب الله»، إضافة إلى هيئات إغاثية اخرى من بيروت، إلى الدفاع المدني وفوج بيروت، والصليب الأحمر الذي تُرفع له القبّعة إجلالاً على الثقل الكبير المُلقى عليه في هذه الأوقات الاستثنائية، بالتزامن مع التضحيات التي يقوم بها لجهة وباء كورونا.
قضائيّاً، كلّف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي كافة الاجهزة الامنية إجراء الاستقصاءات والتحريات وجمع المعلومات لمعرفة حقيقة الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت.
تعدّدت الروايات حول الحادثة، فانتشر على مواقع التواصل الإجتماعي تسجيل صوتي لامرأة تؤكّد أنّ الإنفجار الذي عصف بالعاصمة بيروت ناتِج عن «الإهمال»، وتقول إنّ زوجها «الذي شاهَد من شرفة المنزل الدخان يتصاعد من مرفأ بيروت، أكّد على الفور أنّ الحريق ناتج من انفجار عنبر رقم 12». وتضيف: «منذ 12 عاماً، هناك باخرة محمّلة «بنترات الأمونيوم»، وهي مواد متفجّرة، كانت ستغرق في البحر. وعليه، تمّ نقل كلّ ما تحتويه من مواد متفجّرة، الى عنبر 12 تفادياً لوقوع انفجار ضخم، ومنذ ذلك الوقت، والمواد المتفجّرة مُهملة ومتروكة. ومنذ 6 أشهر تمّ الكشف على عنبر 12، وجاء في التقرير أنّ المواد باتت تشكّل خطراً جسيماً خصوصاً في حال تعرّضها للرطوبة أو لحرارة شمس قوية، وهي معرّضة للإنفجار في أيّ وقت، ومع ذلك أُهمل الموضوع».
في المقابل، وعلى الرغم من انّ القيادة الاسرائيلية نفت أي علاقة لها بحادث بيروت، إلّا أنّ خبراء عسكريين أكدوا لـ«الجمهورية» انّ الانفجار ناتج عن استهداف وقصف، وربما الفيديو المصوّر، والذي يظهر اختراق صاروخ للعنبر على المرفأ، سيكون محط تحليل وتحقيق في الأيام المقبلة.
على مواقع التواصل الإجتماعي، شَبّه المغّردون انفجار بيروت الثلثاء بانفجار هيروشيما. وعلى أرض الواقع، يمكن اختصار المشهد بكلمة واحدة «دمار شامل».