في لحظات الوحدة الوطنية وانفجار الغضب الشعبي، تعجز الكلمات عن الوصف. في لحظات كهذه، الصورة قد تكون أفضل تعبيرا … بعد اقل من 36 ساعة على فاجعة المرفأ، سارع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى نجدة لبنان. لم يكتف بإرسال المساعدات العينية، بل حضر شخصيا ليقدم إلى الشعب اللبناني “رسالة أخوة وتضامن”، كما قال على حسابه على تويتر. بربطة عنق سوداء تحترم مشاعر الحزن والأسى والحداد التي تعصف بلبنان وناسه، حط ماكرون في بيروت، واحترم البروتوكول القاضي بلقاء رئيس الجمهورية في صالون الشرف في المطار، وتفقد بيروت المنكوبة في المرفأ..
لكن هذا كله في مكان وما جرى في الجميزة ومار مخايل في مكان آخر. كان من المفترض أن يجول الضيف الفرنسي الكبير على المنطقتين على اعتبار أنهما من الأكثر تضررا من الانفجار الذي أطاح مبانيهما التراثية، التي لم تقو الحرب المقيتة على تهديمها فسقطت أمام الاهمال. لكن ماكرون، الرئيس المتفهم لتطلعات الشعب اللبناني الثائر في الساحات منذ 17 تشرين، تجرأ حيث تخاذل كثيرون ممن يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن حياتنا وأقدارنا وأرزاقنا. ففي وقت تتمادى السلطة وأطرافها في إدارة الأذن الصماء إلى المطالب الشعبية المحقة، اختار ماكرون الطريق الأقرب إلى قلب الناس.
نزل على الأرض في الجميزة… تحدث بصراحة وفرح وكثير من الاصغاء والتفهم إلى الشعب الثائر الذي أجهزت عليه سياسات رعناء وفساد متجذر وتمسك أعمى بالمناصب والكراسي. بابتسامته المحببة الخجولة، استمع ماكرون إلى مطالب الناس، وأهمها: “لا تعطوا المساعدات إلى حكامنا الفاسدين، على ما يظهر في الفيديوهات المتناقلة عبر منصات التواصل الاجتماعي. حاول الرئيس الفرنسي بهدوء طمأنة المتألمين إلى أن فرنسا تؤيدهم وتسمع أنين وجعهم. وقد يكون التعبير بالفرنسية كثير الدلالات في هذا السياق. « Ne vous inquiétez pas. Je ferai de mon mieux. Notre aide est à vous, le peuple Libanais ». عبارات مقتضبة قالها الرئيس الفرنسي داعيا الشعب اللبناني إلى ايلائه الثقة، على اعتبار أن هذه الثقة هي التي ستتيح لبلاده المضي في رفد لبنان بسترات النجاة من دون أن يغيب عن باله حمل مبادرة سياسية تستجيب لصرخات الناس. على أن الأهم يكمن في أن الحشود الغفيرة في الجميزة لم تتأخر في الاستجابة إلى نداء ماكرون، فكان التصفيق الحار والهتاف باسم فرنسا خير دليل إلى أن الرئيس الشاب كسب في لحظات ثقة أناس فقدوا الأمل في حكامهم فبات هو خشبة خلاصهم الوحيدة.
تجاوز ماكرون كل البروتوكولات وأبعد عن طريقه رجال الأمن، لا لشيء إلا ليسمع شعبا صديقا يستحق الحياة اختنق بنار الأزمة الاقتصادية والخطوات القمعية، حتى أنه لم ير ضيرا في تأخير موعد لقائه مع الرئيس عون. فالأهم في مكان آخر.. في الشارع مع الناس.. اليوم كان ماكرون بحق “الرئيس القوي”… حبيب الشعب.