كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”:
تتركنا الأزمات عند كل محطة مع سيل من الأسئلة وانعدام في الأجوبة. كيفية احتواء الارتدادات الاقتصادية للجريمة الانسانية في تفجير المرفأ، ستكون المحور الذي تدور حوله الحلول “الفارغة” بعدما يبرد صفيح بيروت.
الخسائر غير محددة بعد. التقديرات الاولية تضعها في خانة تتراوح بين 5 و 10 مليارات دولار، لا نملك منها دولاراً واحداً. كل المساعدات المعوّل عليها ستكون ظرفية، بعضها عيني كالمستشفيات الميدانية والادوات الطبية والادوية ومعدات البحث والانقاذ، وبعضها الآخر نقدي كمثل تخصيص عمدة باريس 200 الف يورو، مخصصة للصليب الاحمر والجمعيات غير الحكومية. وحدها توصيات المجلس الأعلى للدفاع التي تبنتها الحكومة واقرتها هي الخلاص، فهل تنفع؟
مقررات غير مجدية
في الشق الاقتصادي تنقسم المقررات إلى قسمين رئيسيين: الاول غير مجد كـ”تخصيص اعتمادات للمستشفيات لتغطية النفقات الاستشفائية للجرحى”، وتحرير اعتماد بقيمة 100 مليار ليرة، يخصص لظروف استثنائية وطارئة”. والثاني نظري محض كـ “تجهيز مرفأ طرابلس لتأمين العمليات التجارية من استيراد وتصدير. ووضع آلية لاستيراد الزجاج وضبط اسعار المواد التي تستعمل في ترميم الاضرار”.
ما تدفعه الجهات الضامنة سواء كانت حكومية أو خاصة للمستشفيات مقابل المريض يعادل 1/8 من الكلفة الحقيقية التي تتحملها. بمعنى ان البدل عن 8 مرضى لا يكفي لمعالجة مريض واحد. أما اليوم ومع وجود أكثر من 5000 مصاب بسبب الانفجار فان المستشفيات استُنزِفت كلياً، واستنفدت بحسب نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون “كل مخزونها من المستلزمات الطبية والادوية الصيدلانية الذي كان مقدراً له ان يكفي لفترة أطول”. هارون اعتبر ان “الحل اليوم هو بإعانات خارجية سريعة تعوض هذا النقص، وتشكل بديلاً عن المستلزمات والادوات الطبية التي كانت موجودة على المرفأ، وأصبحت مجهولة المصير بعد التفجير”. هذا الواقع يترافق، بحسب هارون، مع “استمرار تأخير دفع المستحقات المترتبة على الدولة للمستشفيات وتضاؤل قيمة هذه الدفعات”.
وهم التعويضات
أما بخصوص تحرير اعتماد بقيمة 100 مليار للحالات الطارئة فهو يعادل فعلياً 12.5 مليون دولار، لا تكفي فعلياً للتعويض عن الخسائر التي لحقت بمؤسسة واحدة متوسطة أو حتى مستورد فقد شحنته على المرفأ.
الفرق الكبير بقيمة العملة بين السعر الرسمي والسعر الحقيقي يقودنا إلى السؤال عن جدوى التعويضات على المتضررين سواء كانوا أفراداً، تجاراً أم أصحاب أعمال ومؤسسات. “فدفع 30 مليون ليرة لبنانية لتعويضي عما خسرته في متجر بيع الأجهزة الخلوية يعادل فعلياً 3750 دولاراً وليس 20 ألفاً تمثّل قيمة الخسائر الفعلية التي تكبّدتها”، يقول أحد أصحاب المحلات في منطقة الاشرفية.
“بغض النظر عن الفرق بقيمة العملة، فان الدولة لن تعوض بشيء لانها ببساطة لا تملك المال. فهي كانت عاجزة عن تسيير أمورها البسيطة قبل الانفجار فكيف بها الحال مع هذا الحجم الهائل من الخسائر”، يقول الخبير الاقتصادي باتريك مارديني. “أما إذا ساورتها نفسها لطباعة المال من أجل التعويض، فستكون جريمة تؤدّي إلى تضخم مفرط لا سيطرة عليه”.
فإضافة 7500 مليار ليرة على الكتلة النقدية المتضخمة أساساً، والتي فاقت منذ 17 تشرين الاول الـ 14 الف مليار ليرة سيكون كارثياً في الحالة الطبيعية فكيف مع تراجع الانتاج بسبب الازمة وتعطل المرفأ. وبحسب مارديني فان “تخفيف الآثار التضخمية لزيادة الكتل النقدية يجب ان يترافق مع زيادة الانتاج، وهو ما نعجز عنه اليوم بسبب الازمة أولاً وانهيار المرفأ ثانياً”.
مارديني الذي يقول ان التعويض هو أقل واجبات الحكومة، يعتبر ان الطريقة يجب ان تكون من خلال إجراءين سريعين الاول يتمثل في “إعادة موضعة النفقات الحكومية. فتتوقف عن دفع ايجار بواخر الكهرباء، العاجزة عن الانتاج اساساً، وتخصص المبالغ المرصودة لمشاريع مرفوضة وغير ذات جدوى مثل سد بسري وغيره للتعويض واعادة الاعمار”. أما الثاني فهو عبر “ايجاد آلية تحفّز المجتمع الدولي على ارسال المساعدات المادية لمساعدة المتضررين من دون المرور بالقنوات الحكومية، ذلك كي لا تتحول المساعدات الى جيوب السياسيين أو إلى حسابات في سويسرا”.
لا زجاج في الاسواق
في ما خص وضع الحكومة آلية لاستيراد الزجاج وضبط اسعار المواد التي تستعمل في ترميم الاضرار، فلن يتعدى كونه حبراً على ورق. فـ”لا مصانع الزجاج ولا التجار يمتلكون المخزون الكافي لتغطية الاضرار الحاصلة. والاستيراد من الخارج فدونه عقبات كثيرة”، يقول خليل الغول أحد أصحاب مصانع الزجاج. “فالتجار المستوردون لا يقبلون إلا بالدولار النقدي المضاف اليه قيمة TVA. فعلى الرغم من استفادتهم من تعميم مصرف لبنان واستيرادهم البضائع على سعر 3900 فهم يرفضون قبول الليرة اللبنانية حتى على سعر السوق. وهو ما يعجّز المصانع عن تلبية الطلبات”.
أكثر من 200 الف شقة سكنية ومؤسسة أصبحت من دون زجاج، وبأحسن الحالات فان الاستيراد من الخارج يتطلب شهراً على أقل تعديل. ولم يجزم أحد بعد ان كان من الممكن تحويل الشحنات إلى مرفأ طرابلس، وان كان الاخير بدوره يملك القدرة على استقبال سفن الزجاج. أما اجراءات هيئة الاغاثة وبناء على التجارب في الطوفانات ونهر البارد وغيره من الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية فهي بطيئة وغير فعالة.
قروض بالدولار ولكن!!!
بطء عمل المؤسسات الحكومية قابله تعميمان لمصرف لبنان بالغا الاهمية والخطورة معاً. الاول ينص على السماح للمصارف باقراض المتضررين بالدولار الاميركي بفائد صفر في المئة مقابل حصول المصارف على الدولار من مصرف لبنان من دون أي فائدة، واعفاء المصارف طيلة مدة القروض أي لغاية 5 سنوات من تكوين مؤونات قد تتوجب مقابلها. فيما نص التعميم الثاني على الطلب من المؤسسات غير المصرفية كافة التي تقوم بعمليات التحويل بالوسائل الالكترونية بتسديد قيمة التحويل الوارد من الخارج بالدولار. الايجابية بعودة الاقراض بالعملة الصعبة تواجه، بحسب مصادر مصرفية، بعدم قدرة الافراد أو المؤسسات على تسديد السندات بالدولار وذلك بسبب الازمة أولاً ووقع 50 في المئة من المواطنين تحت خط الفقر ووجود اكثر من 500 الف عاطل عن العمل. فيما دفع التحاويل بالدولار يعني عملياً توقف الدعم للسلة الغذائية المؤلفة من 300 صنف والتي كانت تمول من هذه التحاويل.